17 سبتمبر 2025

تسجيل

المجتمع والدولة امتداد أم تضاد؟ (2-2)

29 أغسطس 2022

إن البعد التاريخي لظهور الدولة في الخليج وارتباط ذلك بظهور النفط أعطى الدولة خصوصية تاريخية جعل منها راعية وحاضنة للمجتمع بدلاً من وجود مساحة بين الجانبين، وهو الأمر الطبيعي لحصول التفاعل البناء على عكس ما تم في مناطق أخرى من العالم، حيث كان التعاقد والتفاوض تأسيساً للدولة وبمشاركة المجتمع. لقد استطاعت الحقبة النفطية من بين أسباب أخرى أن تؤجل نمو المجتمع المدني في حين كانت النخب العسكرية وشبه العسكرية تلعب نفس الدور في مناطق أخرى من عالمنا العربي، ولكن بذور مثل هذا المجتمع في منطقة الخليج ترجع في بعض أرجائه الى الثلاثينيات أو حتى العشرينيات من القرن المنصرم، فلذلك فإن قيام الدولة بدور المجتمع حتى اليوم أمر لا يمكن تبريره وأنه - وإن استمر - لا يعمل على تطوير المجتمع ولا على تقوية الدولة، فأهمية مؤسسات المجتمع المدني تتمثل في كونها أداة خلق الطلب الفعال وهذا في حد ذاته البوصلة التي تهتدي بها الدولة وتسترشد بها طريقها في المستقبل وبدون هذه المجتمعات والمؤسسات الأهلية لا يمكن قيام الديمقراطية التفاعلية، حيث يتفاعل المجتمع مع قضاياه ومشاكله، حيث لا يمكن للدولة أن تقيم ديمقراطية دون طلب فعال من المجتمع ولا يرجى من أي إصلاح الاستمرار إذا لم يشارك المجتمع في صياغته وبلورته. ثمة شراكة حقيقية بين المجتمع والدولة هي ما أوصلت تلك الدول المتقدمة الى ما هي عليه اليوم، لقد آن الأوان لإقامة الشراكة الحقيقية اللازمة لثقافة العصر ولقد آن الأوان لترك بذور المجتمع المدني الأهلي في الخليج وفي غيره من محيطنا العربي تنمو داخل فضاءاتها المتعددة. لقد كان للدولة الدور الكبير والأساسي في منطقتنا منذ قيام دولنا الخليجية ولكن تيار العصر فرض آليات ومنطقاً آخر يلقي بأشكال الصراع القديم بعيداً ليقيم مجتمع الشراكة بين المجتمع الفاعل والدولة الحديثة المتطورة. فالدولة الأبوية التي تحتضن المجتمع وتلتهمه متى شاءت وتفكر عنه وتزيله من الوجود إذا لزم الأمر، أصبحت عبئاً ثقيلاً حتى على نفسها ويظهر ذلك من خلال تلمس خريطة العالم السياسية والاقتصادية، فالفرق بين المجتمعات المدنية وغيرها أنه في الأولى لا يشعر الفرد بثقل وقع الدولة على حياته في حين أن في الثانية يتساءل وربما يكون زائراً وليس مقيماً عما إذا كان هناك مجتمع من الأساس وذلك لتمظهر الدولة وتجليها بشكل يخطف بصره ولا يستطيع معه انفكاكاً.