27 سبتمبر 2025

تسجيل

عقود التسويق الإلكتروني

29 أغسطس 2022

أصبح التسويق عبر الإنترنت ووسائل الاتصال الإلكتروني في وقتنا الراهن آلية أساسية لإنجاح أي مشروع والإعلان عنه، وصار الطريق المضمون للتعريف بمنتج جديد بصورة تحقق له انتشارا واسعا، لدرجة أن معظم الشركات الكبرى عالميا استغنت نسبيا عن طرق التسويق التقليدية وأصبح اهتمامها منصبا على التسويق الحديث عبر الوسائط الإلكترونية، خصوصا مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة. لذلك كان من الضروري تقنين ممارسة هذا النوع من التسويق من خلال فرض قواعد قانونية تحكم مختلف العلاقات المتداخلة، وتستجيب الطبيعة الافتراضية للعالم الذي تتم من خلاله هذه العملية. التسويق الإلكتروني يمكن اعتباره عقدا يبرم بين طرفين أساسيين، أحدهما المسوق أي ذلك الكيان أو الشخص الذي يلتزم بالقيام بجميع الأعمال التي من شأنها التعريف والإشهار عن المنتج أو الشيء أو غيره عبر الوسائط الإلكترونية، والثاني هو طالب الخدمة أي ذلك الكيان أو الشخص الذي يتعاقد مع المسوق من أجل القيام بشخصه أو بواسطة غيره بالأعمال المتفق عليها بهدف تحقيق التعريف بمنتجه مقابل أدائه مقابلا ماديا متفقا عليه نظير خدماته. ويعتبر هذا التعريف مشتقا من الخصائص المميزة لعملية التسويق الإلكتروني وفق واقع الممارسة العملية الحالية، لكن هذا العقد من العقود المرنة المتطورة عبر الممارسة اليومية، ويمكن تغييره حسب اختلاف متطلبات السوق الإلكترونية. وانطلاقا من ذلك، فإن هذا العقد لا يخضع كأصل إلى قانون بلد معين طالما أن انعقاده تم عبر وسائط العالم الافتراضي، بل تحكمه القواعد العامة المعمول بها دوليا في مجال التجارة الإلكترونية والقواعد الدولية في مجال العالم السيبراني عموما، لكن يحدث أن يتم الاتفاق بين الطرفين على تطبيق قانون بلد معين على عقد التسويق الإلكتروني، أو عدم خضوعه لقانون معين، في هذه الحالة يتم الاحتكام إلى ما ذهبت إليه إرادة الأطراف وتكون بمثابة القانون واجب النفاذ، إلا إذا خالف ذلك قواعد النظام العام المعمول به في مجال المعاملات الإلكترونية. كما أن هذا العقد لا يشترط إفراغه في شكل معين، أو يستلزم صياغته في اتفاق مكتوب وموقع بين الطرفين، لأنه من العقود الرضائية المستجدة، لكن الكتابة في مثل هذه العقود أصبحت ضرورة تفرض نفسها دون الإلزام القانوني بها، وذلك من أجل إثبات الالتزامات المتبادلة بين الطرفين عند حدوث نزاع، علما بأن عقد التسويق الإلكتروني حتى ولو لم يتم إفراغه في صورة اتفاق مكتوب، فإن الكتابة مفترضة بين الطرفين طالما أن الاتفاقات الأولية والنهائية وجميع الشروط تمت عبر مراسلات إلكترونية مؤرخة وموقعة إلكترونيا من الطرفين. وإذا كان الالتزام الأساسي لطالب الخدمة هو سداد المقابل المادي المتفق عليه بين الطرفين أيا كان نوعه أو طبيعته وفق الظرف الزمني وبالطريقة المتفق عليهما أيضا، فإن الالتزام الرئيسي للمسوق هو التعريف بمنتوج طالب الخدمة، وقد اختلف الفقه القانوني الحديث في تحديد طبيعة التزامه، إذ رجح جانب أن يكون التزامه ببدل جهد وعناية من خلال استخدام وسائطه وأساليبه المهنية في الإعلان وترغيب الجمهور دون أن يكون ملزما باقتناء ذلك المنتوج أو تحقيق هامش أرباح معين أو غير ذلك، بينما يرى جانب فقهي آخر أن المسوق ملزم بتحقيق النتيجة التي من أجلها لجأ إليه طالب الخدمة، لأنه طالما يمتهن التسويق وفنون الإقناع فلا يحق له التحجج بعدم القدرة على جذب الجمهور إلى منتوج طالب الخدمة، لكننا نرى من جهة أخرى أن التزام المسوق هو ذو طبيعتين، التزام بتحقيق نتيجة وهي القيام بكافة الأعمال الضرورية للتعريف بمنتوج طالب الخدمة ونشره على أوسع نطاق، والتزام ببدل جهد من أجل استقطاب الجمهور إلى ذلك المنتوج عن طريق استخدام جميع الوسائل والأساليب الفنية المتبعة، لأن المسوق لا يكون مسؤولا عن اقتناء الغير للمنتوج أو تحقيق الأرباح المبتغاة، فقد يحدث أن يصل المنتوج إلى علم شريحة كبيرة من الجمهور لكن قلة من يقتنونه، وقد يرجع ذلك لعوامل ليس للمسوق دور فيها مثل سوء جودة المنتوج أو عدم تناسبه مع متطلبات السوق. وقد نعتبر أن عقد التسويق الإلكتروني لا ينعقد بين طرفين فقط، بل هنالك طرف ثالث أولى بالحماية القانونية منهما، وهو الجمهور، ذلك المتلقي الذي قد يتم تضليله وإيهامه بجودة المنتجات التي يتم التسويق لها إلكترونيا، فيقتنيها على ذلك الأساس ليصطدم في الواقع بالتدليس والغش الذي تعرض إليهما، مع صعوبة تحديد المسؤولية عبر وسائط الاتصال الإلكترونية.