(جاني اتصال من فوق)

في المساء توجه بوراشد كعادته إلى مجلس بوسعد الذي تعود أن يلتقي فيه بأصدقائه المقربين، وبعد السلام والتحفي قال بوراشد "اليوم الصباح وانا جالس اتريق تحت في الصالة جاني اتصال من فوق وطلب مني اني أرشح نفسي لانتخابات مجلس الشورى وتوني جاي من مقر لجنة التسجيل والآن أنا رسميا مرشح لانتخابات المجلس" ، تفاجأ جميع الحاضرين فبادر بوسالم وهو الملقب في المجلس "برويتر الفريج" والذي دائما ما تجد عنده العلوم والسوالف والأخبار، قال بوسالم "احلف براس أمك وأبوك انه جاك اتصال من فوق" اجاب بوراشد وبدون تردد "وراس أمي وأبوي انه جاني اتصال من فوق"، رد بوسالم "اهب يا بوراشد اشهد انك منت بهين"، تدخل بوسعد في الموضوع سريعا وقال " من فوق مره وحده، خف علينا يا رجل المهام الصعبة، شدعوه اتصلوا فيك ويبغونك"، رد بوراشد بنبرة فيها استعلاء وثقة " نعم انا رجل المهام الصعبة وانت شلي حامس كبدك"، تدخل بومحمد في الحوار وقال "بوراشد أخاف انك حلمان انت متأكد انه جاك اتصال من فوق؟ ترى ذا الكلام كبير ولا توهق نفسك" فرد بوراشد دون تردد " يا عوينكم عويناه (أي يالا بؤسكم) حاسدين الفقير على موتة الجمعة، أقول لكم توني جاي من مقر الترشيح وهذا الوصل قدامكم، واللحين ابغي همتكم معاي وعلى قولت القايل ما يخدم بخيل ولوصلت للمجلس ماني بناسيكم"، قال بوسالم " ابشر يا الذيب انا وجماعتي بنصوت لك مادامك مدعوم، فأمر واحنا نطامر" رد بوراشد "كفوا والله يا سنايدي، هذي الهقوه فيكم جعلني ما اذوق حزنكم". مرت الليلة وبوراشد ومن في المجلس يخططون و"يتكتكون" ويرسمون خطة العمل التي ستوصل بوراشد الى كرسي المجلس، فهذا يقول له لابد من تحبب الخشوم والتواصل مع أبناء الدائرة، وذاك يحثه على القراءة والاطلاع والبحث لتنمية مهارات الحديث والاقناع، وآخر ينسج له خيوطا من الامل والاحلام، ومضى الليل والجماعة كأنهم اصبحوا قادة عسكريين يعدون العدة لإعلان حرب لا هوادة فيها. انتهت الأمسية وذهب الجميع ما عدا بوسعد وهو صديق بوراشد الأقرب الى قلبه وصندوقه الأسود، قال بوسعد " يا بوراشد الان مابه إلا انا وانت وكلنا عيال قريه وكل منى يعرف أخيه، قولي شسالفة؟" نظر بوراشد الى صديقه العزيز وقال " السالفة اللي جاك والله اني مازليت عليك (أي ما كذبت عليك)"، قال بوسعد "اللحين تبي تقنعني ان المسؤولين اتصلوا فيك وطلبوا منك انك تترشح وأنهم بيدعمونك في الانتخابات؟"، صمت بوراشد قليلا ثم قال" الله يهداك يا بوسعد، لا تقولني كلام ماقلته ولا توهقني انا ماقلت لكم ذا الكلام" استغرب بوسعد من رد بوراشد فقال" الله واكبر يابوراشد من اول الليل وانت تقول لنا انه جاك اتصال من فوق وتحالف وتالف انك صادق"، ضحك بوراشد وقال" يابوسعد انا قلت لكم بالضبط اني جالس تحت في الصاله وجاني اتصال من فوق هذا مش معناه ان اللي اتصل فيني المسؤولين" رد بوسعد مستغربا "عيل شتقصد من اللي اتصل فيك" قال بوراشد " ام العيال كانت فوق في الطابق الثاني واتصلت لي من فوق واقنعتني اني ارشح نفسي وتوكلت على الله ورشحت نفسي، وانا مالي دعوة اذا الناس فهمت كلامي غير اللي اقصده هذي مشكلتهم مب مشكلتي" ضحك بوسعد حتى كاد ان يغشى عليه وقال "اشهد انك ثعل يا الثعل (الثعلب باللهجة المحلية) واحنا طول الليل نخطط وشادين الهمة قلنا خلاص رفيقنا صار عضو مجلس وبيفلنا فل" وانقضت الليلة بضحكات الصديقين. وختاما أقول، ليس غريبا أن يستخدم بعض المرشحين شيئا من الحيل والخدع أو التورية في الاقوال والخطابات لكسب أصوات الناخبين بهدف الوصول لكرسي المجلس، فهي ظاهرة دائما ما ترتبط بالانتخابات بشكل عام والانتخابات التشريعية بشكل خاص، فقد استخدمت هذه الأساليب في كثير من الدول الغربية والشرقية على حد سواء، وما يهمنا كناخبين هو تقييم المرشح على أساس النزاهة والكفاءة والقدرة على الفعل والعمل لا على القول وبيع الوهم والأمل. @drAliAlnaimi