13 سبتمبر 2025
تسجيلأيها الذاهبون إلى الحج أين أنتم ؟! المعشوق هاهنا ... ارجعوا. بهذه الكلمات شَخَّص مولانا جلال الدين الرومي الداء وعين الدواء وهو الاختلال الحاصل في سلم أولويات الأمة" أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟!! لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين. الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون". إن الحج هو آخر أركان الإسلام والدفع به إلى مقدمة الاهتمامات هو اختلال في سلم الأولويات وإفساد للأفهام وتضييع للحقوق! إن البلاء الحقيقي يقع في اليوم الذي يتحول فيه الدين إلى مجرد طقوس وتلاوات، فعندما قام المسيح عليه السلام بمداواة المرضى لم يسأل أي يوم هذا، لكن الذين دأبوا على عشق المظاهر أنكروا عليه واتهموه بإهانة "السبت" فما كان من المسيح إلا أن يلجم نوازع النفوس المحتالة بقوله: إنما جُعل السبت للإنسان ولم يُجعل الإنسانُ للسبت، لقد كانت أول دعوة لإبراهيم قبل بناء الكعبة "رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات" إن الاختلال في سلم الأولويات هو أعظم مظاهر الانحطاط وسببه ونتيجته، فعندما يُقدم ما حقه التأخير ويُؤخر ما حقه التقديم تضيع الأمانة وإذا ضاعت الأمانة ضاع الأمان وإذا ضاع الأمان فلا إيمان وعندها تفسد الحياة. إن النحلة التي تنتج العسل الشهي تنتج السُمَّ الزُعاف عبر الإخلال بتراتب الجزيئات فتُقدِّم المُؤخَّر وتُؤخِّر المُقدَّم فتُنتج سمَّ النحل وعندما تعيد التراتب صحيحاً تنتج العسل وهكذا تُسَمَّمُ حياةُ الناس عندما يُصَغَّرُ الكبيرُ ويُؤخَّر، ويُكَبَّر الصغيرُ ويُقَدَّم، وتحتدم المعارك حول المختلف فيه ، ويُتواصى بالصمت عن المتفق عليه فتغرب شمس الحضارة عندما تطلع من مغربها، وتدنو شمس العذاب من رؤوس الخلق، وكأن المؤذن قد عجل بالقيامة قبل القيامة! إن تخلفنا الحضاري عار لا يغسله ماء زمزم ولا التمسح في أستار الكعبة، فالحج ركن عظيم حقه التأخير كما أخره الله فالخطأ في حق الله يداويه الاعتذار كما قال الشيخ الغزالي لكن الخطأ في حق الناس والحياة لا يرتفع إلا بالعمل الدؤوب على إقامة العدل ورد الحقوق ورفع المظالم! إن تشييد المصانع في أمة فقيرة أعظم عند الله من بناء المساجد وكسوة الكعبة! فالساجد قبل المساجد والجائع قبل الجوامع "طهر قلبك وصلِّ حيثُ أنت ، قال شاعر الإصلاح محمد إقبال : إن كعبتنا عامرةٌ بأصنامنا وإن الكفرَ ليضحك من إسلامنا وشيخنا بحب الصنم يُقامر ومفتينا بمصالحنا يُتاجر فليس لله في الأرض بيت ولا دولة ، فمكةُ بداخلك، وبيتُ الله، كلُّ قلب عامرٍ، يعرف أن حق الناس مقدم على حق الله، وأن كرامة الجائع أفضل عند الله من بناء الجوامع، والبلد العامر بالمساجد إذا ضاعت فيه الحقوق يقل وجود الحق فيه، وأن من رأى عارياً دون أن يبادر إلى كسوته كمن ترك الحق عارياً، فحيثما وجدت القبح والظلم والقسوة والغرور عند قوم، وجدت اللهَ تعالى بعيداً عنهم، وحيثما وجدت الجمال والعدل والرحمة والتواضع فثم وجه الله عزوجل، هذه شريعة الله وتلك دولته، وهذا بيت الله وهؤلاء سدنته، ضع عندهم راحلتك وطب نفساً فأنت معهم في مكة وأولئك هم الفائزون.