15 سبتمبر 2025

تسجيل

أصل الحكاية.. وأمها!

23 يناير 2019

تقع آمال الإنسان وآلامه في منطقة وسط بين أصله ومصيره (من أين أتينا وإلى أين المصير وكيف يكون المسير) سؤال واحد ثلاثي الأبعاد، سألناه لآبائنا صغاراً ونتحمل عبء الجواب عنه لأبنائنا كباراً وهو أهم سؤال يُسأل، وبقدر عمق المعرفة بالجواب تقاس تجربة الإنسان، ويتوقف النمو العقلي والوجداني للإنسان يوم يتوقف عن طرح هذا السؤال أو يزهد في البحث له عن جواب معتقداً أن ما لديه من موروث يكفيه. إذا أردنا أن نفهم العالم بأحداثه وأشخاصه وأفكاره علينا أن نفهم الفلسفات التي تحكمه، المادية منها والدينية، إذ لا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية، وكما يقول المثل الإنجليزي: لا يعرف إنجلترا من لا يعرف غير إنجلترا، وخلف كل الفلسفات يقبع السؤال عن أصل الإنسان، من نحن، وماذا يُراد لنا وماذا نريد ؟ لم تجد فلسفات الإلحاد المادي رواجها في الشرق والغرب لقوة فيها ولكن للانسحاب المتخاذل ممن يُفترض أنهم يحملون مشاعل النور فتركوا الدنيا تتخبط في ظلام وتحترق في ضِرام معتقدين بأن النار بعيدة عنهم ونحن الآن نستفيق على نُذُرِ حريق يدخل البيوت، عندما يعتنق أولادنا أفكاراً عبثية يعوزها العمق وينقصها التريث وكأنهم يبحثون عن مهرب من واقع خانق لا يجدون فيه عدلاً ولا صرفا فتنهشهم حيَّاتُ الوهمِ وفلسفات الضياع، فإن كان من سُخط فعلى أولئك الذين صدَّروا أنفسهم كقضاة أو دعاة فكانوا علَّةً ولم يكونوا دواءً. وزاد من معاناة الإنسانية فشل المسيحية مذ خاصمت الحياة، بعد فشل اليهودية التي عبدت الحياة، ووقف الإسلام وحيداً كقضية عادلة في أيدي محامين فشلة، ويفقد الإسلام معناه عندما يساير أحد النموذجين أو كليهما فيصبح مجرد طقوس في مسجد كالمسيحية، أو يتلاشى في الحياة كاليهودية، وتستحيل الحياة حلبة صراع، البقاء فيها للأقوى فتنتصر اشتراكية ماركس على عدل عمر، وفلسفة نيتشه على رحمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتتقاسمُ العالمَ رأسماليةٌ متوحشةٌ وماركسيةٌ عمياء، وتقف الإنسانية بأمراضها طالبة الشفاء فيتولى دكتور سيجموند فرويد علاجها فيصيبها بعدواه ويداويها بالتي كانت هي الداء !! إن آفة كل دين أتباعه فإذا كانت اليهودية قد فسدت بيد اليهود فإن المسيحية قد ضاعت على يد النصارى وأُفرغ الإسلام من مضمونه على أيدينا، لكن من حسن حظ الإنسانية هذه المرة أن السماء لم تضع عهدتها الأخيرة بيد أحد كما حدث مع العهدتين السابقتين فثقة الله بنا لها حد « إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» فالقرآن حق الجميع، وليس ملكاً لأحد. إذا كان إنسان نيتشه هو السوبرمان الذي يختلف عن الحيوان في الدرجة فقط لا في النوع فإن القرآن ينظر للإنسان على أنه نفحة علوية من روح الله، موكل بإدارة مملكة الحياه يعمد إلى الحَسَن بزيادة الحُسن فيه وإلى القبيح فيحسنه، لقد خلع الله عليه من جمال أسمائه وجلال صفاته؛ فالإنسان هو الحي الساعي في إحياء النفوس وهو القادر على تحويل المادة الخام وتخليقها في أكثر من صورة، وتبارك الله أحسن الخالقين وهو رحمة الله تتجلى على كل ضعيف وغضب الله ينزل على كل فاجر ويد الله التي تبطش بالمعتدي وقَدَرُ الله الشافي يغالب قدَرَ المريض، وعين الله التي تحرس ولا تخون.