12 سبتمبر 2025

تسجيل

في مدارسنا نجومٌ فلا تطفئوها!

15 أكتوبر 2018

نعم، الأغبياء لا يولدون، لكنْ مناهج التعليم تجعلهم كذلك. هذا منطوق حكمة الغرب، ومفهومها أن الإنسان يولد حراً فتأتي مناهج التعليم التي تقوم على مبدأ الطاعة دون الاستقلال فتُقتل في الإنسان ألزمُ لوازمه.. الحرية. إن أبناءنا نجومٌ ساطعة وحين نعلمهم بدون رُشدٍ يضمحل ضياؤهم ثم... يطفئون! في جزيرة سليمان كان الناس إذا أرادوا إسقاط شجرة، ما عليهم إلا أن يلتُّفو حولها فيوسِعُوها إهانةً وشتماً وتوبيخاً، فما هي إلا بضعة أيام حتى تسقط من تلقاء نفسها، وهو الأمر نفسه تفعله مناهج التربية والتعليم حين لا تفي بتنوع القدرات ولا تراعي مبدأ الفروق الفردية فتوقع الطالبَ تحت ضغط المقارنة وتوهمه بالفشل حتى يُصدِّق، ومن ثم يسقط، مع أن كلَّ فرد هو نسيجٌ وَحدِه لا يقارن بغيره، ولو اعتمدت مناهج التعليم مبدأ (التكافؤ والتعويض) لحُلت أكثر مشكلات التعليم وصعوبات التعلُّم، وهو مبدأٌ كونيٌ يقضي بأن [من نقص في جانب زاد في آخر]، ولذا تزيد المَلَكَةُ الحافظة فيمن كَلَّ بصرُه، وتزداد عبقرية الرياضيات وتكنولوجيا المعلومات في المتوحدِّين، وتزداد الحاسة إلى الجمال لدى الصم، حتى غُّمَ على العلماء الحدَّ الفاصلَ بين العبقرية والجنون؛ لذلك رمت قريشُ رسولَ صلى الله عليه وسلم بالجنون، فالتمييز بينهما يصعب إلا على الفاهمين أو الأصفياء المتأملين. «قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا، ما بصاحبكم من جِنّة» إن صحة أي مجتمع لا تقوم على التطابق والتماثل، وإنما على اختلاف ألوان الفسيفساء التي تشكل لوحته الكاملة، ومن هنا فإن الفشل بالمعنى السائد لا وجود له في مجال التعليم، فكما يقول علماء الأصول: والوسائلُ لها حكم القاصد» فإذا كان النجاح فضيلة ـ وهو كذلك ـ فإن الفشل في إحراز الفضيلة فضيلة، وهذا يفرض على نُظم التعليم توسيعَ آفاق المناهج وتنويعَ وسائل التعلُّم تبعاً لتنويع الفطرة، ومن فطرةِ الله بصمةُ الفرادةِ التي لا تتكرر في شخصين، فمِنَ الطلاب من يغلب عليه العقل الكُلِّي بإدراك الروابط والأنماط، ومنهم من يتميز بالعقل الجزئي، وهو متابعة التفاصيل دون كلل أو انقطاع، ما يفرض ضرورة المزاوجة بين التعليم والفن، فالوجود مجاله متسع ومالا يدركه العقل يسع الوجدان إدراكه، فضرورة حصة الرسم كضرورة علم النفس يقول الأستاذ علي عزت بيجوفيش: إن الفن هو ابن الدِّين وإذا أراد الفن أن يبقى حياً عليه أن يستقي من المصدر الذي جاء منه، ولا بد أن يأتي الوقت الذي يَرُدُّ الفنُّ فيه دَيْنَه للدِّين عبر الرسم والنحت والموسيقى. فهذه علوم الذوق ومن قل ذوقه قل علمه، ولا يعيب الفنَّ فسادُ فنانين كما لا يعيب الدينَّ فسادُ رجالاته ولا الطبَّ فساد أطباء يتاجرون بأعضاء البشر. إن الوجود في الأذهان يسبق الوجود في العيان، وإذا اختل الوجود في توقع الأذهان اختل في واقع العيان، وهذا قولهم «الحكم على شيءٍ فرع عن تصوره فاعدلوا الموازين في أذهانهم وأخبروهم أن العلم بلا شهادة خير من شهادة بلا علم. إن الإمام القرافي صاحبَ مصنفات الفقه والأصول وصانعَ التماثيل المتحركة ( الروبوتات الآن) قبل أوروبا لم يكن يساوي فخره وسعادته بصناعة التماثيل المتحركة إلا حزنه الشديد على عدم قدرته على إنْطاقها. لقد نطقت الآن يا إمام وصارت تزاحم الإنسان في ذكائه وتُسَيِّرُ شئونه، حتى بات الإنسان قلقاً على مستقبله فلربما راودها يوما ما حُلم استعمار كوكب الأرض وطرد الإنسان منه! علموهم هذه النماذج حتى يدركوا أننا لم نكن بهذا البؤس!