14 سبتمبر 2025

تسجيل

صباح النفط!!!

29 أغسطس 2011

هل النفط عليكم نقمة؟أعنيكم أنتم مخرجات النفط.. وإليكم الشجن..عندما بدأ ابني ذي السبعة أعوام دراسته في الولايات المتحدة سألته المدرسة أن يعطيها شيئا من النفط على سبيل الدعابة؟ ملوحة بأن قطر تمتلك مخزونا هائلا.. سألته: وماذا كان ردك؟قال موضحا بنكهة طفولية جميلة: هي تريد شيئا من البترول يا أمي! قلت: اعرف. إنها تقصد البترول وليس زيت طعام بلدي مثلا؟ على حد استخدام كلمة Oil لدينا على كل زيت أو "الدهن الطيب".قلت له: هل ذكرت لها بأننا هنا في تكساس في عاصمة أخرى للطاقة والصناعة .. وما سميت كذلك إلا لأن الولايات تعتبر ثالث منتج للنفط والثاني عشر في الاحتياطي.. أي قبل قطر في الاثنين وفقا لإحصائيات الطاقة من الحكومة الأمريكية حتى لو كانت — كقارة على الأقل — تستهلك كل إنتاجها.هذا وهناك آبار أخرى في عرض البحر لم تجد طريقا لها للتنقيب لأنها لم تأخد إلى اليوم موافقة الكونجرس لحفرها سواء كانت في المحيط الهادي أو الأطلسي لأسباب بيئية أو أمنية.قال مقاطعا: اعلم أن "ألاسكا " فيها بترول — وهو محب للجغرافيا ومولع باتساع هذه الدولة القارة واختلاف مُناخها.قلت: نعم..والجدير بالذكر ان الرئيس الأمريكي مؤخرا دعا إلى توسيع إنتاج النفط في ساحل ألاسكا وفي خليج المكسيك أيضا للحد من اعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي، قائلا: "إن إنتاج النفط وصل في العام الماضي إلى أعلى مستوى له منذ العام 2003 لكني أعتقد أنه ينبغي علينا التوسع بإنتاج النفط في أمريكا مع رفع السلامة والمعايير البيئية."هذ مقدمة نفطية خفيفة أوردتها هنا لأن الشيء بالشيء يذكر، فسؤال المدرسة لطفلي في عام 2011 مازال هو ذات السؤال الذي واجهته أمه في ذات البلد منذ 12 عاما في أول موضوع كتبته عن دولة قطر تعريفا بها، ولا زلت احتفظ بهذا "الجورنال "أو المذكرة بتعليق للدكتورة ربما واجهه الكثيرون مثلي ممن درسوا في أميركا:"هل يملك كل مواطن قطري بئر نفط في منزله؟أضافت في تعليقها: ارجو ألا تتعجبي من سؤالي فنحن هنا في أمريكا نعتقد أن كل مواطن خليجي يمتلك بئر نفط؟طبعا قطعت عليّ سؤالا كنت سأوجهه، وليس في السؤال غرابة لو كان على نحو سياسة تملك النفط والمستفيد منه في الأراضي الأميركية لمن يظهر النفط في أرضه على الأقل.قلت: النفط في دول الوطن العربي ملك للوطن وليس للمواطن حتى لو انفجر النفط في جسده وليس فقط في أرضه، وما يعتمد عليه المواطن في دخله هو أجره الشهري ومدخراته المادية من جهده وتعبه لا أكثر ولا أقل..وتساءلت في حجم ثقافة اليوم والعولمة والانفجار المعرفي: هل لا زال التعامل معنا اليوم كآبار نفط؟ ولماذا؟ولأنني اعلم أن القول اللفظي لا يفي بحجة تقنع طفل السابعة ردا على سؤال لمدرسته، ولكن للوعي الزمني على المدى.. ولكي يميز فتحت الانترنت على صورة المجاعة في أفريقيا وأشرت إلى الصومال وهذا قبل مجاعة اليوم خصوصا وإنني كتبت هذا المقال منذ فترة.قلت ماذا ترى؟ قال: صحراء.. قلت انظر إلى صورة الأطفال في المجاعة.. كم هي مؤلمة؟ثم فتحت على أشهر صورة صحفيه عالمية..صورة طفل في مجاعة في السودان التقطت عام 1994 لنسر ينتظر أن ينقض على فريسته.. يتحفز أوان موت الطفل جوعاً ليأكله لأنه لا يأكل إلا الجيف. وتعد أشهر صورة تمثل المجاعة التي لم يعرف مصير مصورها الأمريكي كيفن كارتر إلا بعد ثلاثة أشهر منتحرا على إثرها متجرعا وحده مرارة الألم والحسرة من دنيا المتناقضات الغذائية وسوء توزيع الثروات كل هذا رغم فوزه بجائزة بولتزر المشهورة في الصحافة التي اضمحلت قيمتها أمام مرارة المأساة الإنسانية.قلت:هكذا سيكون وضعنا لو لم يشأ الله أن يكتشف النفط في بلادنا الصحراوية، سنكون يا ولدي العزيز صومالا ثانيا.. في حالنا مع الغرب ونظرتهم النمطية لنا وتبعات النفط السلبية علينا كشعوب وعبادة السياسة للمصالح فينا، تذكرت قول الأمير خالد الفيصل في قصيدة "حنا العرب ":يوم الفقر شلتوا علينا عيوبه واليوم عقب النفط جيتوا لنا أنسابإن الحديث عن النفط ليس حديثا فقط عن فكرة الآخر النمطية عنا معتقدا الثروة والغنى، بل حديث أيضا عن المفارقات غير المذكورة في بلدان فيها من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية المتعددة الكثير بل وفيها فقراء وظلم اجتماعي أيضا وان لم يشر احد أبدا إلى تعريف دقيق لخط الفقر أو حتى خط الحاجة والعوز او الكفاف الذي يمكن أن نستند عليه في تقدير حجم الفقر والفقراء في دول تزعم أنها في خير عميم للجميع وفيها من مآسي البشر والمحتاجين والبطالة القسرية أعني الفقر القسري ما فيها رغم قلة عدد سكانها وصغر بقعتها الجغرافية وغناها بالثروة النفطية وصناعاتها.وفي المقابل تصدح التقارير بأن دولنا في أعلى قوائم دخل الفرد، وخصوصا قطر التي تبوأت المركز الأول عربيا وعالميا للعام 2010 في نصيب الفرد من الدخل القومي حسبما ورد في قائمة مجلة "جلوبال فاينانس" لأغني وأفقر دول العالم من بين 182 دولة شملتها هذه القائمة وتم فيها رصد نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في كل دولة. وبلغ نصيب الفرد في دولة قطر في العام 2010 "90149" دولارا سنويا.مؤشرات ربما تكون مهنية وموضوعية فقط في مقاييس المنحى الاقتصادي وفقا لحجم الدولة وعدد السكان الأصليين مقسوما على ما يقسم عليه من خيرات وأرصدة مما يطلق عليه ناتج محلي، ولكن بالمقياس الواقعي هي "خرافة ميتافيزيقية" أو "بروبوغاندا" دولية.هذا والمواطن يصيح في ذات الوقت: أين نحن في دخلنا من المعدلات العالمية التي تصدح بها التقارير ونحن المواطنين نحتل "لا اعلم أي درجة في دولتنا في سلم الرواتب التي لم نر اثر النفط عليها أو نرى واقعية تطبيق المنحى الاقتصادي فيها؟عذرا...أنتم الشعوب مجرد "مخرجات نفط".. ربما بلاستيكية تخضع للتدوير.. ينطبق عليكم ما وصف به المدير العام لشركة برييتيش بيتروليوم المتضررين من كارثة خليج المكسيك قبالة ساحل لويزيانا الأمريكية العام الماضي. بوصفهم ب "بصغار الناس." ولكنه الوصف الذي أزعج الكثير من الأمريكيين فرد أحدهم:"أعتقد أنه كلام تافه وغير إنساني تجاهنا كمواطنين"،ثم استنكرت امرأة النبرة الاحتقارية لهم قائلة:"يجب أن يأخذوا قوتنا مأخذ الجد. نحن بشر كبقية البشر".وماذا تم لهم كمواطنين أمريكيين؟لقد خضع المدير لمساءلة أمام لجنة تحقيق في الكونغرس الأمريكي بخصوص مطالب البيت الأبيض بسبب الإخفاقات التقنية غيرَ المسبوقة التي أدت إلى الكارثة فاستجاب رئيسُ الشركة فخصص صندوقا بعشرين مليار دولار لتعويض المتضررين مع توزيع الأرباح على المساهمين لسنة كاملةوفوق كل ذلك وهو الأهم:اعتذر رئيسها عن تصريحاته السابقة في تحقير الناس بوصفهم صغارا، مع الاعتذار للأمريكيين بصفة عامة عن الكارثة..أعود لما بدأت به:سُئل طفلي عن النفط كونه مخرجا من مخرجات دولها ولكن هل علمت المَدْرَسة ابني الدرس الأمريكي في النفط الذي تحكمه حقوق الإنسان والمواطنة وحق الشعوب فيما تسبغ عليهم صفة "إنسان نفطي"؟تنامون على وسائد نفط..وأحلام سعيدة...وعيدكم مبارك. كاتبة وإعلامية قطريةTwitter: @medad_alqalammedad_alqalam @ yahoo.com