18 سبتمبر 2025

تسجيل

التنظيم السياسي في الدولة

29 يوليو 2021

سبق أن أوضحنا في مقالات سابقة أن النظام الأميري الديمقراطي هو وسيلة أساسية للحكم في دولة قطر، بكل ما يترتب على هذا النظام من مشاركة الشعب ومساهمته في اتخاذ القرار عن طريق ممثليه في مجلس الشورى. كما بينا.. أن الدستور القطري وحرصاً منه على استقرار السلطة التنفيذية باعتبارها العمود الفقري في الدولة، فإنه لم يأخذ بفكرة المسؤولية التضامنية للوزراء أمام مجلس الشورى، وأحاط المسؤولية الفردية للوزراء بعدد من الضوابط. كما أننا.. استخلصنا من المذكرة التفسيرية حول صور النظام في الدولة، أن نظام الحكم في دولة قطر هو حكم وراثي بمنظور رئاسة الدولة، وذلك كما جاء في المادة (8) من الدستور. وأن هناك تقرباً في النظام السياسي في دولة قطر، وفي هذه المادة بالتحديد من النظام البرلماني التقليدي، وهو ما تسانده المادة (64). لذلك.. فإن النظام السياسي في دولة قطر يسير في فلك النظام البرلماني، ولم يذهب إلى تجريد الأمير من ممارسة سلطاته كرئيس دولة، أو جعله رئيس دولة يسود ولا يحكم، أو تكون مسؤولية الوزراء أمام مجلس الشورى فقط، بل ترك مساحة للنظام الأورلياني، حيث تكون مسؤولية الوزراء مزدوجة أمام الأمير وأمام مجلس الشورى، ويتمتع الأمير في ظل هذا النظام بسلطات واسعة عكس النظم الأخرى التقليدية، وفي اعتقادي ومن خلال دراستنا للنظم البرلمانية المختلفة، فإن الدستور القطري قد خرج لنا بصورة مختلفة من صور التنظيم السياسي، والتي قد تختلف عن بعض الصور المعروفة. وإذا كان الأمير يتمتع بسلطات مهمة ومؤثرة في سير نظام الحكم، وأن هناك اختصاصات يمارسها الأمير منفرداً، أي ليس بواسطة وزرائه، بل يمارسها بأوامر أميرية دون أن تثير أي مسؤولية سياسية. وللتسهيل على القارئ.. فإن المراسيم تصدر بناء على عرض وطلب الوزارة، والوزارة هي من تتحمل مسؤوليتها، وتكون موقعة من الأمير وموقعة من رئيس مجلس الوزراء ويوقع عليها الوزير أو من في حكمه. أما الأوامر الأميرية فهي أداة يمارسها الأمير منفرداً، ويصدرها منفرداً، ولا تحمل سوى توقيعه. وذلك كالاختصاصات التي تتعلق بشؤون الحكم، وعلى سبيل المثال تعديل الدستور يتطلب أمراً أميرياً لما له من تأثير في سير النظام، والاختصاصات التي تتعلق بالأمير أو الأسرة الحاكمة. أولاً: اختصاصات الأمير التي تتعلق بشؤون الحكم: 1) أهم هذه الاختصاصات هو اختصاص الأمير بتزكية ولي العهد، فيصدر على أثره أمراً أميرياً بتعيين ولي العهد، وقد نصت المادة (9) من الدستور على أن: «يعين الأمير ولي العهد بأمر أميري وذلك بعد التشاور مع العائلة الحاكمة وأهل الحل والعقد في البلاد»، وكما جاء في هذا الجزء من المادة (8) من الدستور على أن: «وراثة الحكم إلى الابن الذي يسميه الأمير ولياً للعهد، فإن لم يوجد ابن ينتقل الحكم إلى من يسميه الأمير من العائلة ولياً للعهد»، ومن الملاحظ في المادة (8) أن الحكم في دولة قطر هو حكم وراثي في عائلة آل ثاني الكرام، وفي فرع معين من العائلة وهو الفرع الذي ينحدر من ذرية / حمد بن خليفة بن حمد بن عبدالله بن جاسم أطال الله في عمره وصحته باعتباره أباً للدستور ومؤسس دولة قطر الحديثة، ويكون الحكم في ذريته من الذكور دون الإناث، ولا يوجد هناك إلزام على الأمير أن يسمي أكبر الأبناء، فله الحرية في أن يختار من أبنائه الذكور من يشاء، ويسميه ولياً للعهد. لذا.. وضع الدستور في هذه المادة المبادئ الأساسية التي تحكم موضوع الوراثة، مع الإبقاء على قانون خاص يفصّل كافة الأحكام الخاصة بحكم الدولة ووراثته، على أن يصدر هذا القانون خلال سنة من تاريخ العمل بالدستور، وهذا القانون له صفة دستورية، أي له حصانة كما للدستور، لذلك تعتبر المادة (8) من المواد التي لم يجز الدستور تعديلها على وجه الإطلاق. 2) اختصاص الأمير في اختيار رئيس مجلس الوزراء بأمر أميري وإعفائه من منصبه بأمر أميري. نصت المادة (72) من الدستور على أن: «يعين الأمير رئيس مجلس الوزراء ويقبل استقالته ويعفيه من منصبه بأمر أميري». 3) اختصاص الأمير في اختيار نائب عنه في حالة تغيبه عن الدولة وتعذر نيابة ولي العهد عنه. المادة ( 13 ) من الدستور نصت على أن: «عند تعذر نيابة ولي العهد عنه أن يعين بأمر أميري نائباً له من العائلة الحاكمة لمباشرة بعض صلاحياته واختصاصاته مع مراعاة المادة (11) و (12) من الدستور. وكما جاء في المذكرة التفسيرية أنه قد يحدث أن يكون ولي العهد قاصراً أو متغيّباً عن البلاد لأي سبب يتعذر معه أن ينوب عن الأمير، فللأمير في هذه الحالة أن يعيّن بأمر أميري نائباً له لمباشرة بعض صلاحياته واختصاصاته التي يحددها الأمير في أمر تعيينه، وليس لنائب الأمير أن يباشر غير هذه الاختصاصات والصلاحيات، ويكون نائب الأمير من العائلة الحاكمة. 4) صلاحية الأمير بأن يستعين بولي العهد في بعض الأمور الداخلة في صلاحية رئيس الدولة. حيث نصت المادة ( 12 ) من الدستور على أن: «للأمير أن يعهد بمباشرة بعض صلاحياته وممارسة بعض اختصاصاته إلى ولي العهد بموجب أمر أميري، ويرأس ولي العهد جلسات مجلس الوزراء التي يحضرها». 5) من اختصاصات الأمير مسؤولية رئيس مجلس الوزراء، والوزراء - مسؤولية تضامنية - أمام الأمير عن السياسة العامة للدولة، ومسؤولية كل وزير أمامه عن أعمال وزارته، وذلك كما جاء بالمادة (123) من الدستور على أن: «رئيس مجلس الوزراء، والوزراء مسؤولون بالتضامن أمام الأمير عن تنفيذ السياسة العامة للحكومة، وكل منهم مسؤول مسؤولية فردية أمام الأمير عن أداء واجباته وممارسة صلاحياته». وهذا النص الدستوري أعطى للأمير صلاحية استدعاء رئيس مجلس الوزراء ليسأله عن السياسة العامة، أو أي وزير ليسأله عن أعمال وزارته، وهذه الصلاحية تسمح للأمير أن يقرر استعمال حقه في البقاء أو الإعفاء لهؤلاء أو للوزارة. 6) من اختصاصات الأمير الحق في قيادة القوات المسلحة. ويعتبر بعض الفقهاء هذا الحق أثراً من آثار التقاليد الملكية القديمة، كما هو الحال أيضاً في دساتير الدول الجمهورية، والدساتير الأمريكية والفرنسية القديمة، حيث جاء في نص المادة (65) من الدستور على أن: «الأمير هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ويكون له الإشراف عليها يعاونه في ذلك مجلس للدفاع يتبعه مباشرة ويصدر بتشكيل المجلس وتحديد اختصاصاته قرار أميري». 7) حق الأمير بأن يقترح منفرداً تعديل الدستور، وعلى ما يبدو أن الأمير بذلك يستطيع مباشرة هذا الحق عن طريق الأمر الأميري أو المرسوم، حيث نصت المادة (144) من الدستور على أن: «لكل من الأمير ولثلث أعضاء مجلس الشورى حق طلب تعديل مادة أو أكثر من هذا الدستور». ثانياً: الاختصاصات التي تتعلق بشخص الأمير أو بالأسرة الحاكمة الكريمة - إلى جانب الاختصاصات الأميرية المتصلة بشؤون الحكم، هناك اختصاصات يباشرها الأمير تتعلق إما بشخصه أو بالأسرة الحاكمة. 1) تعيين الأمير وكيل أو عدة وكلاء بإجراءات التقاضي، وتوجه لهم الأوراق القضائية الخاصة بشؤون الأمير، وذلك لأن ذات الأمير مصونة وأحكام المحاكم تصدر باسمه، ومن ثم لا يجوز مخاصمته باسمه أمام المحاكم، ولكن باسم الوكلاء الذين يتم تعيينهم وكما هو واضح، فإن هذا الاختصاص يتعلق بشخص الأمير، حيث نصت المادة (64) من الدستور على أن: «الأمير هو رئيس الدولة، ذاته مصونه، واحترامه واجب». 2) اختصاص لصيق بشخص الأمير، ويتعلق بالأسرة الحاكمة، مع عدم التصور أن ينفرد بممارسته غير الأمير وهو ما نصت عليه المادة (17) من الدستور على أن: «المخصصات المالية للأمير وكذلك مخصصات الهبات والمساعدات يصدر بتحديدها قرار من الأمير سنوياً». الأمير هو من يحدد بأمر أميري هذه الاستحقاقات المالية وطريقة تقديرها وصرفها. في الختام: هذه الاختصاصات التي يمارسها الأمير منفردا.. منها ما يتعلق بشؤون الحكم، ومنها ما يكون مؤثراً في سياسة الدولة، ومنها ما هو خاص بالأمير أو له صلة بالأسرة الحاكمة، وقد يكون ذلك بأمر أميري أو مرسوم أميري أو قرار معين. ● خبـير قانـوني [email protected]