12 سبتمبر 2025

تسجيل

رؤية على المشهد السياسي السوداني (8)

30 أغسطس 2023

إذا نظرنا الآن لهذا النزاع المستجد والذي بدأت تداعياته في شهر أبريل من هذه السنة 2023 م، فإن هذا التطور ليس كمثيله من النزاعات التي حدثت في تاريخ السودان الحديث كدارفور أو الجنوب أو المشاكل الحدودية من بعض الدول الأفريقية هذا النزاع يمثل منعطفاً تاريخياً ومصيرياً خطيراً تداعياته سوف تلامس المنطقة العربية والأفريقية برمتها وقد تشعل المنطقة وتمتد الصراعات إلى العمق الأفريقي والعربي، وعندما نقول إن هذه الأزمة مختلفة عن باقي أزمات السودان لعدة أسباب سياسية من بينها تدخلات منظمات دولية ودول عظمى وعلى ما يبدو هناك لعب أدوار لبعض الأطراف الخارجية في دعم طرفي النزاع أو حلفائهم والذي يؤدي لاستمرار المعارك وتطورها وامتدادها وإشعال المنطقة والقرن الأفريقي برمته وبالتالي تفاقم الأوضاع الإنسانية بجانب موجات النزوح الكبيرة وأعداد القتلى المستمر والمرتفع بين المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب السوداني مع وجود تعتيم على أعداد القتلى والجرحى عن وسائل الإعلام والمنظمات الدولية والجمعيات الحقوقية. هناك أيادٍ خبيثة خفية داخلية وخارجية تريد أن تعصف بالسودان وتدمر مقدراته وتعيده إلى الصفر وتستولي على ثرواته ومكتسباته بجانب أدوار رئيسية وثانوية وشراكات يلعبها البعض بمساعدة أيدٍ سودانية لذلك عندما نرى أن موضوع النزاع الحالي وحسب المشهد السياسي أصبح مختلفاً عن باقي النزاعات خاصة أن لدى طرفي النزاع الآن أهمية بأن يصبح كل منهم صاحب غطاء وشرعية دولية وهذا يعطي موضوع النزاع لدينا بعدا إستراتيجيا ودوليا آخر. السيناريو المقبل موجات نزوح بشرية كبيرة للداخل والخارج وازدياد للخسائر البشرية وارتفاع القتلى المدنيين ثم تدمير للمؤسسات الوطنية ثم تدمير للبنى التحتية وكافة القطاعات الخاصة ثم تفاقم مشكلة الإيواء ونقص الطعام والمياه والعلاج ثم تفاقم للأزمات السودانية ثم تفكيك السودان وإشعال حرب داخلية ثم تدخلات خارجية مباشرة وعلى العلن ثم نهب ثروات السودان ثم حكومات مناصفة برعاية خارجية ثم مجالس انتقالية ثم عاصمة مؤقتة ثم معارضة ثم ميلشيات ثم على السودان السلام. إذاً الوضع العام في السودان ليس كما يحاول البعض وصفه ببعد أحادي بقصد التهرب من المسؤولية أو لعب أدوار سياسية أو المراوغة وإخفاء الحقائق من أجل بعض المكاسب. استغلال وتهافت الأطماع على السودان لا شك أنه شيء متوقع خاصة أن الواقع السياسي السوداني لديه معضلة مستدامة في أسلوب الحكم وإدارة الأحزاب والمؤسسات جعلت من السودان دولة فقيرة تحوي ثروات هائلة تقارب في مشاكلها كما لليمن مع اختلاف المشهد والتداعيات السياسية لبعض الدول العربية مثل ليبيا وتونس والعراق وسوريا التي ما زالت تعاني من آثارها على كافة المستويات. بجانب آخر لا شك أن السودان فشل في كل أشكال النمو والتطور ومواكبة الدول المتطورة حول العالم حيث مزقتها الصراعات الداخلية من أجل القيادة والشعارات والسيطرة بجانب غياب الإرادة السياسية السابقة من الالتزام بأي اتفاق سياسي كان ممكن أن ينظم العلاقة بين السودان وغيره من دول الجوار وبين أقاليم السودان المختلفة بصورة أفضل بالمشاركة الفعالة والتخطيط الذي يصنع القرار السليم. النزاع الماثل أمامنا الآن في السودان هو إحدى نتائج اختلال موازين الحكم والسلطة وغياب أسس العدالة والديمقراطية وسيادة القانون لكافة مكونات هذا الشعب وحضارته والتي ولدت مع السنوات المظالم والفقر والفشل في النمو وعدم الثقة من قيادات توالت على السودان ورسخت لدى الشعب شعوراً يائساً بأن بناء الدولة والإنسان ما هو إلا حلم زرعته الآلة العسكرية ومنها المدنية والتي فشلت فشلاً متوقعاً في إدارة الدولة في ظل سياسات معتمة تخبطية داخلية وخارجية أفقدت السلطة ومؤسساتها الرؤية الواضحة للحكم الرشيد فكان هناك هدف واحد وهو احتكار الثروة والسلطة مع ممارسة السياسة الإقصائية من أجل استدامة السيطرة مما دفع ذلك بمزيد من البؤس والاستياء لدى أبناء الشعب والذي بدأ يبحث عن مستقبله وبناءه في المهجر نتيجة الأوضاع المعيشية المزرية التي آلت إليه الأوضاع في السودان الشقيق. الآن الطبخة أصبحت جاهزة واتسع الصراع بالصورة المطلوبة وبشكل أوسع ويهدد البلاد بالانزلاق في حرب أهلية كما خُطط له كما تلك الحرب التي حدثت بالجنوب وأودت بحياة الملايين من الانفصاليين والجيش الموالي لحكومة السودان وبما أن الصراع الحالي مختلف عن سابقه خاصة أن أحد أطراف الصراع هو محمد دقلو القائد السابق لما يسمى بالجنجويد بجانب أن هناك الآن تظليلا إعلاميا وتدخلا من الأمم المتحدة لوقف القتال حتى لو كانت مؤقتة لفتح ممرات آمنة للحالات الإنسانية وكالعادة في السودان استمرت المعارك والانفجارات وإطلاق النار وتوالت الهدن تباعاً الثانية والثالثة والرابعة وإذا استمر الوضع يمكن أن نصل إلى ألف هدنة.