12 سبتمبر 2025
تسجيلجاء في الكامل لابن الأثير وفي تاريخ الطبري أنه لما خرج مسيلمة الكذاب، بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً ممن هاجروا إليه وقرأوا القرآن وتفقهوا في الدين إلى اليمامة، وذلك لكي يكون معلّماً لأهلها ومشّغباً على مسيلمة الكذاب، ولكن الذي حدث أن هذا الرجل كان أكبر فتنة تعرض لها أهل اليمامة حتى قيل إنه لولاه لما قامت لمسيلمة الكذاب قائمة، وذلك لأنه ارتد عن دين الله وخان أمانة رسول الله وطمع بما في يد مسيلمة من الدنيا، حتى شهد كذباً وزوراً أن الرسول قد أشرك مسيلمة معه في الرسالة، فكان ذلك مما فتن الناس أشد فتنة فالتفوا حول مسيلمة حتى بلغ جيشه أربعين ألفاً. ذاك هو نهار الرَجّال (بالراء المفتوحة والجيم المشددة) بن عنفوة الذي انتكس على رأسه وانقلب على عقبيه بعدما من الله عليه بالهدى ودين الحق. وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جلست مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط ومعنا الرجال بن عنفوة، فقال: "إن فيكم لرجلاً ضرسه في النار مثل أحد، قال أبو هريرة فهلك القوم وبقيت أنا والرجّال فكنت متخوفاً لها من شدة عبادة الرجال واجتهاده حتى خرج الرجال مع مسيلمة وشهد له بالنبوة وقتل يوم اليمامة". والحقيقة أن موقف نهار الرجال هذا استوقفني كثيراً، لأنني والله عجبت كيف يرسله الرسول إلى مسيلمة الكذاب؟ ألا يعلم رسول الله على ما حباه الله من العلم أن هذا الرجل سيرتد ويكون هو أعظم فتنة على بني حنيفة؟ بل لماذا أصلاً قبله رسول الله من الأساس حينما جاءه مهاجرا؟ ألا يحق لي أن أتساءل؟ وما عساه يكون الجواب على أسئلتي؟. فيأتي الجواب من الصادق المصدوق نفسه عليه أفضل الصلاة والسلام تحديداً في غزوة تبوك لما سخر منه أحد المنافقين لضياع ناقته قائلا: أليس محمد يزعم أنه نبي، ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إني والله ما أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها، وهي في الوادي في شعب كذا وكذا وقد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها. إذن فالرسول عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب، ولا يعلم إلا ما علمّه ربه، لذلك فمن المؤكد أنه لم يعلم أن الرجّال بن عنفوة هذا سوف يرتد لاحقاً، وإلا لاتخذ معه الإجراء المناسب أليس كذلك؟، أو على الأقل لما بعثه إلى قومه بني حنيفة حتى لا يكون أكبر محرض لهم على الفتنة أليس كذلك؟. سبب وقوفي عند هذه الرواية عزيزي القارئ، أنني صرت أشاهد مؤخراً بعض السفهاء من أدعياء الحكمة ومدعيّ العلم وفقه الواقع، وهم والله إنما يهرفون بما لا يعرفون، ولماذا أقول عنهم ذلك؟، لأنك تجد أحدهم يشكك فيك انت (أيها العبد الفقير إلى عفو ربك) عندما ينقلب عليك أحدهم، وكأنه من المفروض عليك بل ومن الواجب أن تعلم الغيب، وإلا فأنت لست بقائد محنك ولست على حق من الأساس ولا تعرف شيئاً، وغير ذلك من التهم والحجج التي لا تنتمي لأرض الواقع بصلة!. ويا سبحان الله كيف تلتوي عقول البعض حتى يخيل إليك أنهم لا يعيشون معنا في هذا العالم عندما يطالبونك بالكمال الذي لا ينبغي أصلاً إلا لله وحده لا شريك له، فإن عجزت – وستعجز عن الكمال بالطبع لأنك بشر – فسيتهمك أولئك السفهاء بكل عيب ونقيصة! ما يجعلك تتساءل ألا يقرأ هؤلاء "المثقفون" السيرة النبوية؟، ألا يقرأون التاريخ؟، هل أصلاً يعيشون معنا في هذا العالم؟، حقيقة أن العجب منهم لا ينقضي ومهما حاولت إيجاد الأعذار لهم فلن تستطيع سوى أن تحكم عليهم أنهم إما بين جاهل مغيب لا يدري ما يقول، أو حاقد حاسد أخذته العزة بالإثم فاصطاد في الماء العكر كما فعل ذلك المنافق لما ضاعت ناقة الرسول. ولا تستغرب عزيزي القارئ عندما أتحدث إليك عن تلك النوعية من البشر، الذين لا يقبلون منك إلا الكمال أو سيرسلونك للمحرقة، لأنهم مع الأسف كثر بل وبعضهم موجودون بيننا. [email protected]