13 سبتمبر 2025

تسجيل

ثورة الأشعث

08 سبتمبر 2021

اندلعت ثورة ابن الأشعث في سنة ثمانين من الهجرة، وكان سببها هو ظلم وتعسف الحجاج بن يوسف الثقفي تجاه أهل العراق، فثار عليه عبد الرحمن بن الأشعث بسبب هذا الظلم ووقف معه الكثير، حتى أن جيشه بلغ أكثر من مائة ألف مقاتل هذا من غير سلاح الفرسان الذي يعتبر كما قلنا مثل سلاح الدبابات في يومنا هذا. والحقيقة أن ثورة ابن الأشعث ارتكزت في بدايتها على أساس صحيح حتى أنه انضم لها بعض كبار العلماء مثل الإمام الكبير عامر بن شراحيل الشعبي وأيضا سعيد بن جبير رحمهم الله تعالى، ولكن كان هذا في بداية الاعتراض والاحتجاج على جور وطغيان الحجاج ولكن للأسف أن هذه الثورة التي برغم كونها انطلقت اعتراضاً على الظلم إلا أنها انحرفت عن مسارها وضلت ضلالاً بعيداً ولا حول ولا قوة إلا بالله. ففي البداية كان اعتراضهم على الحجاج بن يوسف لأنه ظلمهم، لكن لما وصل جيش ابن الأشعث إلى أطراف العراق ورأى عبدالرحمن هذا من نفسه قوة واعتقد أن الكفة في صالحه انقلب على عقبيه وخلع بيعة أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان بحجة أنه هو من وضع الحجاج في هذا المنصب. لكن منتهى العجب وغاية الإبداع في هذه القصة هو موقف رجل الدولة القوي والقائد العسكري الشهير والمستشار الفذ المهلب بن أبي صفرة رحمه الله تعالى، ومن منا لا يعرف المهلب؟، فلما بلغه خروج ابن الأشعث نصحه بنصيحة لا تقدر بثمن فارسل له قائلا: (أما بعد، فإنك وضعت رجلك يابن الأشعث في غرز طويل الغي على أمة محمد، الله الله فانظر لنفسك لا تهلكها ودماء المسلمين فلا تسفكها والجماعة فلا تفرقها والبيعة فلا تنكثها، فإن قلت اخاف الناس على نفسي فالله أحق أن تخافه عليها من الناس فلا تعرضها لله في سفك دم ولا استحلال محرم والسلام عليك) رحمك الله يا أبو سعيد لقد والله نصحت لهم وليتهم أطاعوك ففازوا في الدنيا وتخلصوا من الحجاج وأخذوا كل ما يريدون، لكن شاء الله وما قدر فعل. فلما رأى المهلب أن ابن الأشعث ماض في غيه مستمر في عناده وضلالته، تجلت عندها عبقريته العسكرية الهائلة فأرسل للحجاج قائلا: أما بعد، فإن أهل العراق قد اقبلوا إليك مثل السيل المنحدر من عل، وليس شيء يرده حتى ينتهي إلى قراره، وإن لأهل العراق "شِرّة" (يعني حماس) في أول مخرجهم، وصبابة وشوق إلى نسائهم وأولادهم، فليس شيء يردهم حتى يسقطوا إلى أهليهم، ويشموا أولادهم، ثم واقفهم عندها، فإن الله ناصرك عليهم إن شاء الله. فانظر معي عزيزي القارئ كيف رسم هذا القائد العظيم سيناريو المعركة كاملا من بدايتها وحتى نهايتها وهو بعيد هناك في إقليم سجستان، لقد احتوى المهلب بعقله الوافر ودهائه العسكري كل الثوار بل لا نبالغ إن قلنا إنه رسم لهم مساراً لم يخرجوا عنه قيد أنملة فساروا على ما يريد رغما عنهم بل ورغم أنف الحجاج نفسه الذي غضب من رأي المهلب وعصاه وقرر مصادمة أهل العراق وهم في قمة حماسهم فهزموه شر هزيمة ففر الحجاج منهم لا يلوي على شيء وترك لهم العراق كله ثم إنه طلب إحضار رسالة المهلّب بن أبي صفرة له فقرأها مرة ثانيه ثم قال: (لله أبوه، أي صاحب حرب هو! قد والله أشار علينا بالرأي ولكنا لم نقبل) نعم لم تقبل الرأي والمشورة يا حجاج وكذلك أيضا لم يقبل النصيحة ابن الأشعث. وفي النهاية ذبل حماس أهل العراق تماما كما توقع المهلب فنشبت معركة الزاوية ثم معركة دير الجماجم فانهار جيش بن الأشعث وخذله الله بما انحرف عن طريق الحق وطمع في الدنيا والسلطان وقد اختلفوا في وفاته فمنهم من قال انه قتل في المعركة، ومنهم من قال إنه تم تسليمه للحجاج فقطع رأسه، ومنهم من قال إن ابن الأشعث انتحر في الطريق إلى الحجاج فانظر إلى البداية ثم إلى النهاية وتفكّر في مداخل الشيطان على الإنسان والسعيد من اتعظ بغيره. [email protected]