10 سبتمبر 2025

تسجيل

منهجية صناعة الأفكار في صياغة المستقبل "1"

29 يوليو 2019

يتساءل الكثير من الناس عن عملية التفكير التي تحدث في الذهن، وما هو المقصود من مصطلح التفكير؟ ولمعرفة مفهوم التفكير وآليــة عمله، علينا أن نـدرك أيضاً ما هي الأغراض أو الغايات التي سيحصل عليها الإنسان من إعمال عقله؟ بدون الدخول في تفاصيل بيولوجية أو فسيولوجية من أجل معرفة أسرار آلــية عمل الذهن وكيف يستقبل أو يرسل أو يتصل أو يرتبط من جانب الخلايا والأعصاب المعقدة داخل مــخ الإنسان، فـهذا موضوع دقيق جداً، لا نستطيع احتواءه أو استيعابه؛ فهذا صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه، والذي ما تزال أسراره غامضة حتى يومنا الحاضر. والذي يهمنـا معرفته في هذا المقام، هو: الجوانب المعنوية لعملية التفكير؛ وبمعنى آخر، ما هي الغايات والأهداف ومدى الاستفادة من عملية التفكير لحياة الإنسان؟ فكما نعلم جميعاً، فإن اتخاذ القرار أو التخطيط أو حل المشكلات أو استشراف المستقبل أو إعطاء الرأي والحكم على الأمور أو تحليل الأمور أو الاجتهاد في قياس الأمور أو معالجة القضايا وغيرها من العمليات الأخرى هـــي من صميم وظيفة جهــاز العقل. ومن المتفــق عليــه أن للعقل البشري مقدرة هائلة على انتاج وصناعة الأفكار. هذه القدرة الهائلة لقوة ولادة الأفكار المتعددة والمتنوعة، سواء في المجالات العلمية أو العملية لمختلف شؤون الحياة، ليس لها حدود في الابتكار. ولولا قدرة هذا العقل البشري على العطاء المتجــدد، وعلى مر القرون الماضية، لما رأينــا هذا التطور الذي تعيشه البشرية في عصرنا الحاضر. وليس خافيا على أحـد أن معالجة الأمور وتقديم الحلول لكافة مناشط الحياة أصبحت متقدمة جداً؛ وذلك بسبب تقدم العلوم وانتشار المعرفة والتكنولوجيا وزيادة الكوادر البشرية المتعلمة في كافة القطاعات العامة والخاصة. فلا غرو أن الازدهار الذي تعيشه المجتمعات الإنسانية في وقتنــا المعاصر، انعكس ذلك على زيادة في مستوى رفاهية المجتمع، فأصبحت الدول تتنافس على كيفية إسعــاد أفرادها ومواكبة التطور الحضاري الذي تعيشه الأمم المتقدمة الأخرى. ومن جهة أخرى، وفرت معظم الدول المتقدمة والنامية لأفرادها أفضل الجامعات والمعاهد والمختبرات وطورت مراكزها البحثية والصحية وغير ذلك من الخدمات التنموية الكثيرة. إنمــا لكل شيء ثمنــه (أو كما يقال: ضريبة) في هذه الحياة. فالرفاهية والتحضر السريع والتقدم التكنولوجي وعصــرنة المجتمع يقابلــــها كُلفــة اجتماعية واقتصادية، يدفع ثمنها أفراد وحكومات. فكلمــا تقدمنا وتطورت الحياة المادية – التكنولوجية، رافــق هذا التقدم العلمي والازدهار الحضاري صعوبات ومشكلات وتعقيدات ثقافية واجتماعية ونفسية واقتصادية وسياسية. ونحن في خضــم انطلاقنــا نحو رســم المستقبل وخططنــا التنموية الرائدة، فإننــا، وللأسف، غير واعين لما قــد يترتب عليه إثــر هذا التقدم السريع على حياة أفراد المجتمع، سواء على مستوى الأسرة الاجتماعية أو على مستوى الأفراد أو الجماعات. وعلى الرغم من أن هذه الثورة التقنية الهائلة، والذي نشهــده في كل جوانب الحياة، وبسبب تطور مناهج التعليم وزيادة الوعي لدى أفراد المجتمع، وارتفاع مستوى الثقافة لدى الكثير، وأن الحياة الاجتماعية أصبحت منتظمــة ومرتبة، وأصبح الفرد يعرف حقوقه وواجباته وسيطرت القوانين والنظم الإدارية الحديثة على أمنه واستقراره ومعيشته ورفاهيته؛ إلا أن ذلك صاحبه ظهور تعقيدات ومشكلات ومعضلات وإخفاقات في كثير من الجوانب الحياتية والإدارية. وإذا ما أردنا أن نبحث عن بعض أسباب تلك الإخفاقات المستمرة، فسنجد أن من بينها: غياب تمتــع العقل البشري بكامل حرية التفكير والتخطيط والمناقشة والعصف الذهني واستشراف المستقبل وقراءة الأوضاع بدقــة، الأمر الذي أضعف دور العقل في أداء مهمتــه بشكل فــاعل وفعــّال. إن الهــدف الذي أسعى إليه لطرح هذا الموضوع المهــم والمتعلق بمعالجة مختلف القضايا الإنسانية، وعلى كافــة الصُعــــد، هـــو إيجاد منهجيــة واضحة للاستفادة من أصحاب العقول المبــدعة والملهمــة والمبتكرة في إيجاد الحلول وصياغة مستقبل حياة أفراد المجتمع. والسؤال الآخــر المهم: هل لدينا منهجية تفكير واضحة تكون قادرة على تحقيق تلك الغايات السامية؟ إن مفهوم المنهجية، كما تعرّفها معاجم المصطلحات الاجتماعية هو: الخطوات العمليــة التي ينتهجها العقل البشري لأداء وظيفة التفكيـر والتخطيط والتحليل والاختيار واتخاذ القرار والتنبــؤ بأحداث المستقبل؛ لخدمــة الإنسان لكي يعيش بسلام وأمــان. وقــد يقول سائل: وهل تشــك في غياب دور العقول البشرية الحالية في رسم المستقبل واستشرافه؟ لا أشك في ذلك الأمر بتــاتاً، ولكن عطاء العقل البشري وتفجــر إبداعاته ومهاراته وابتكاراته وتحليلاته واختياراته وخيالاته مــرهونة بمــدى تفرغ هذا العقل البشري للإلهام والإبداع والتخطيط ورسم آفاق المستقبل.