17 سبتمبر 2025

تسجيل

النظام المعرفي في المجتمع القطري.. (1)

29 يوليو 2019

لفهم أي مجتمع لابد من ملاحظة واستكشاف النظام المعرفي السائد فيه، وكيفية تشكله من فترة إلى أخرى، ومدى ارتباطه بالوعي السائد. لماذا يختلف مجتمع عن مجتمع آخر؟ لماذا يختلف القطري مثلا عن البحريني أو عن السعودي أو الكويتي، من ناحية نظرته للأمور وللواقع ؟ لماذا يختلف مستوى الرضا من مجتمع خليجي عن مجتمع عربي آخر، أو حتى عن مجتمع خليجي آخر؟ ما هي حقول اكتشاف هذا النظام المعرفي، التي يتشكل ويسطر من خلالها نمط الحياة الاجتماعية ؟ ما هي القوى الفاعلة فيه ؟ علينا أولا تحديد الأرضية التي يقوم عليها النظام المعرفي بالنسبة لمجتمع كالمجتمع القطري. تقوم بنية النظام المعرفي للمجتمع القطري على صدفتين، إحداهما جغرافية والأخرى تاريخية، أفرزتا نظاما معرفيا أوليا لم يكن نتاجا لديالكتيك مجتمعي تاريخي، بقدر ما كان نتاجا لبعدين ماديين هما "الريع" حيث الصدفة الجغرافية، و"القبيلة" حيث الصدفة واللحظة التاريخية، التي مكنت للسيطرة على المجتمع، وفرض رؤية أو نظام معرفي معين، متعلق فقط بمصلحة هذه البنية. لذلك سنرى أن هذا النظام المعرفي عبر المرحلة التي سنعرض لبعض صوره وتشكيلاته، وهي المرحلة الممتدة من أوائل الستينيات حتى الوقت الحالي، لا يتغير إلا بقدر ما يعيد إنتاج وتجديد هاتين اللحظتين أو الصدفتين الجغرافية "المادية" والتاريخية. كما يبدو الدين والعادات الاجتماعية كذلك شكلا من أشكال النظام المعرفي السائد في المجتمع. النظام المعرفي يعرفه "فوكو" بأنه الأرضية التي تقوم عليها معرفة عصر معين، وهو المرتكز الأساسي لخطاب ذلك العصر، والفضاء الذي تنتشر فيه موضوعاته، والمجال الذي يفرض فيه إكراهاته . "والجدير بالذكر أن الأنظمة المعرفية السائدة في مجتمعاتنا العربية هي أنظمة إكراهات، وليس أنظمة إنسانية، بمعنى أن لا تستجيب للمطالب الإنسانية للشعوب إلا تحت الإكراه، لذلك نرى دائما أن هناك انشطارا وصراعا للنظام المعرفي العربي بين جزئه الأيديولوجي الموروث، كالدين والعادات والتقاليد الاجتماعية، وبين جزئه المتحقق من اقتناص الفرصة، أو الصدفة، سواء الجغرافية "الثروة" أو التاريخية "القبيلة أو العسكر". بالنسبة للمجتمع القطري، لم يكن موضوع النظام المعرفي يشغل بال أي مواطن في السابق، ولكن يبدو اليوم الأمر مختلفا، ويمكن من حيث التبسيط، توضيح ثلاثة أنماط من أشكال النظام المعرفي سيطرت على المجتمع القطري على النحو التالي: - من الستينيات حتى بداية السبعينيات: كان التوافق مع الطبيعة هو السمة الغالبة للنظام الاجتماعي، وكانت الطمأنينة والرضا هي الشعور السائد في المجتمع نتيجة لهذا التوافق، حيث التشابه بين الطبيعة الهادئة والإنسان المؤمن والراضي بالنصيب. - من السبعينيات حتى منتصف التسعينيات: كان التموضع والاتزان سمتي النظام المعرفي السائد، التموضع بمعنى تمكين المتعلمين من القطريين من مفاصل الوظائف، وقيام طبقة وسطى حكومية. والاتزان بمعنى التأثير المتبادل بين الدولة مع الخارج، وانعكاس ذلك على الداخل وبداية الطموح لدى الإنسان ليصبح مالكاً لزمام أمره، محدداً لمستقبله، بعيداً عن أبوية المجتمع . - من منتصف التسعينيات وما بعده، أصبح هناك خطاب معرفي طموح، يرى أن له دوراً على المستوى، ليس فقط المحلي، أو الإقليمي، بل وحتى العالمي، عليه أن يقوم به، فأصبح هناك نوع من التشتت في الوعي، وقفزة كبيرة في الوعي بين الفرد وبيئته الجغرافية والتاريخية، التي كانت تمثل له محور الاتزان والتوافق. فهو يعيش ضمن تاريخه وجغرافيته، وينتج خطابه المعرفي ضمن مكوناتها، سواء الخليجية أو العربية. وسمات النظام المعرفي في هذه المرحلة، مع ملاحظة أن في كل هذه المراحل الثلاث كان النظام المعرفي هو محصلة لتعامل السلطة " البعد التاريخي مع الريع "البعد الجغرافي" الاقتصادي المادي بعيدا عن أي مؤثرات داخلية، أو ردود فعل أو تغذية راجعة من المجتمع الذي يستقبل دونما أن يرسل. [email protected]