13 سبتمبر 2025

تسجيل

لِم تقلق أمريكا من تركيا أكثر من غيرها؟

29 يوليو 2016

لا تتلقى تركيا معونات عسكرية أو مالية من الولايات المتحدة، وذلك سبب كاف للقلق الأمريكي من تركيا، إذ لا تملك الولايات المتحدة أوراقا للضغط -تجيدها- على السياسة التركية، وذلك أحد الدوافع في السعي الأمريكي الدائم عن وسائل اختراق للوضع الداخلي والسيطرة على السلطة السياسية في تركيا، باعتبارها لا تملك وسائل الضغط والاختراق من الخارج. كما تقلق الولايات المتحدة من تركيا وتسعى للسيطرة على القرار الإستراتيجي لها، بسبب المؤهلات التي تمتلكها تركيا للتحول إلى قطب دولي يربك المعادلات والتوازنات التي تشيدها الولايات المتحدة وتديرها لتحقيق استمرار سيطرتها على العالم والدول الإسلامية بصفة خاصة. وإذ باتت سطوة وسيطرة الولايات المتحدة تواجه خطرا كليا بنهوض أوروبا وروسيا، وهو ما يعقد عوامل سيطرتها على العالم وإدارته. وإذا أضيفت الصين والهند إلى عوامل تهديد السطوة والسيطرة الأمريكية على النظام الدولي، فإن عودة تركيا للظهور كقوة إقليمية ودولية محتملة، يزيد القلق الأمريكي ويدفعه خطوات نحو محاولات اختراق الوضع التركي أو السعي للسيطرة على معالم قوتها الإستراتيجية الطموحة، إذ الجيش التركي هو العاشر في الترتيب العالمي والثاني في ترتيب جيوش حلف الأطلنطي، وبالنظر لما تلقاه من عوامل قبول في العالم الإسلامي -المتطلعة شعوبه لإعادة بناء قوة إسلامية- وبحكم تنامي عوامل قوتها الاقتصادية ولوصولها حد الاكتفاء التسليحي -خلال عامين على الأكثر- بما يعزز طموحها الإستراتيجي في بناء عوامل قوة وخطط إستراتيجية مستقلة لها على الصعيد الدولي.تقلق الولايات المتحدة من تركيا بأكثر مما تقلق من إيران، بل يمكن القول إن أحد الدوافع للوصول لاتفاق حول الملف النووي الإيراني يتمثل في إعادة توظيف القوة الإيرانية في مواجهة تركيا في الإقليم -وهي ذات الإستراتيجية المعتمدة في حصار الصين بحزام ناري في محيطها- فضلا عن توظيف هذا الدور في إحداث عمليات التفكيك والتخريب للعالم العربي. والأخطر الذي تراه أمريكا في تركيا، أنها تعتمد إستراتيجية التطوير والتنمية الاقتصادية والديمقراطية في داخلها، ولا تعتمد إستراتيجيات التدخل العسكري بقواتها في الخارج، بما ينهك قدراتها ويسهل مهمة صناعة الأعداء في مواجهتها، كما حال إيران التي تنتج إستراتيجيتها حالة مكافئة مضادة لها في محيطها. وأن تركيا تمارس اقترابا وتطويرا لعلاقاتها الدولية وفق إستراتيجية الصين وألمانيا -مع الفارق هنا وهناك- التي تجري وفق نمط التنمية المتبادلة وتوسيع رقعة التعاون الاقتصادي والتنمية المشتركة، بما يحقق لتركيا قبولا واسعا، ويساعد في تنمية تركيا بشكل مستقل عن الوصاية الأمريكية والغربية.وفي ذلك يبدو أن الولايات المتحدة قلقة وتعيش وضعا مضطربا في محاولتها التأثير على القرار التركي، بحكم مراهنة تركيا على الشعوب والديمقراطية والمستقبل، فيما تقوم الرؤية الإستراتيجية الأمريكية على استمرار الماضي ودعم الديكتاتوريات. وإذ تلعب الولايات المتحدة بالديمقراطية لعبة دعائية فتركيا على العكس ترى الديمقراطية أداة التغيير وتحقيق إرادة الشعوب في التغيير الحقيقي، نحو الاستقلال عن الوصاية والضغوط الأمريكية.وهنا يبدو واضحا ما يثير القلق الأمريكي من تركيا مهما مقارنة بروسيا، التي لا تحمل مشروعا للخارج يختلف عن مشروعها الداخلي القائم على سيطرة الدولة وتكميم الأفواه -فضلا عن اعتماد خط التدخلات العسكرية الاستعمارية في الخارج - بما يصنع عداوات واسعة لروسيا في الخارج ولنظام الحكم في داخلها.والأخطر الذي يواجه أمريكا الآن في التو واللحظة، أن تركيا متدخلة بالفعل في قضايا إقليمية واسعة من سوريا والعراق، إلى محاربة تنظيم الدولة... إلخ، لا تستطيع الولايات المتحدة التغاضي عن دورها في التو واللحظة، وهو ما يمنح تركيا وقتا هي في أشد الحاجة إليه لتحقيق مشروعها المستقل.