12 سبتمبر 2025
تسجيلكنت سعيداً هذا الأسبوع بصدور باكورة مجموعة قصصية للأطفال بعنوان "لا شيء يعيقني" عن دار نشر عربية عريقة مختصة بأدب الطفولة (دار أصالة)، واسم القصة الأولى منها "عكّازة في العيد". مصدر هذه السعادة جملة أمور: ـ ندرة العناية في أمور تخص أصحاب الإعاقة والاهتمام في موضوعات ذوي الاحتياجات الخاصة من الأطفال، فإذا كان الاهتمام الأدبي بالطفل العربي ضعيفا، فكيف بالاهتمام بشرائح ذوي الإعاقة بصنوفها المختلفة، إنه نادر جدا، وربما الأعمال التي قدّمت عربيا حتى الآن قد لا تصل إلى العشرات، وبالتالي تأتي هذه المجموعة لتسد جزءا من الفراغ الكبير في هذا المجال. ـ كثير من هذه الأعمال تعاني من أمرين اثنين، الأول عدم وضوح الرؤية التربوية فيما يخص التعاطي مع هذه الشريحة، أو كيفية تعاطي الآخرين معها، بسبب الخوض في هذه الموضوعات مع قلّة الخبرة والدراية العلمية والواقعية، أو بسبب التناول السطحي للقضايا الشائكة التي تمس حياة ووجدان هذه الشريحة، وعدم الغوص إلى أعماقها، فهي بالتالي تقدّم نتاجا بائسا، وربما يؤدي إلى نتائج معكوسة. ـ قيمة هذه الأعمال في حال توّفر الجودة تتمثل في تحقيق هدف مزدوج، فهي تقدّم دعما إيجابيا غير مباشر للأطفال ذوي الإعاقة لدمجهم في المجتمع، وتدريبهم على الاستقلالية، ودفعهم لخوض تجاربهم الخاصة بمفردهم، وفي الوقت نفسه تعدّ دليلا للأطفال والناشئة والفتيان للتعاطي مع هذه الشرائح، سواء كانوا إخوة في الأسرة الصغيرة أو زملاء في المدرسة أو جيرانا في الحيّ وهكذا. ـ على المستوى الخاص فإن المؤلفة (كاتبة القصة التي صدرت والقصص التي تليها ضمن السلسلة)، ألا وهي الدكتورة سنا الحاج، تمتلك مفاتيح النجاح في هذه المهمة لأكثر من سبب، فهي من الذين يمتلكون الدراية بأوضاع هذه الشريحة بحكم أنها أصيبت منذ أن كانت في عامها الأول بالشلل وعاشت التجربة حتى الآن بكل تفاصليها ومراحلها العمرية وكتبت مذكراتها عن ذلك (سيرة ذاتية)، وهي في الوقت نفسه تعتزّ بوالدها وأسرتها الذين عرفوا كيفية غزل طفولة مميزة وسعيدة لها، كانت أساساً قوياً ومتيناً ودافعاً لانخراطها في المجتمع، والقدرة على مواجهة كل الظروف الصعبة التي يمكن أن يتعرّض لها أي معوّق. لذلك أرادت أن تشارك الجميع، وتنقل لهم كل تلك التجارب في حياتها منذ الطفولة من خلال القصص والكتابة التي تمتلك ناصيتها. أهمية سلسلة "لا شيء يعيقني"، كما أرى، تتمثل في أنها تؤسس لرؤية جديدة في النظرة إلى هذه الفئة من الأطفال، وتمثل قصصاً واقعية لشخصية واحدة وهي طفلة ذات إعاقة، تعبّر فيها عن مشاعرها بالفرحة في عيش مغامراتها في بعض المواقف (لم نعتد على مغامرات أطفال الإعاقة)، وانزعاجها من النظرة السلبية تجاه المعوقين في مواقف أخرى. وتهدف إلى لفت نظر الأهل في كيفية تعاملهم مع أطفالهم من ذوي الإعاقة، من أجل أن تكون المبادرة أولا من قبلهم لدفع أطفالهم ودمجهم في المجتمع، وتدريبهم على الاستقلالية عبر خوض تجاربهم الخاصة بمفردهم، كونهم قادرين على ذلك. ومن خلال خلاصة حوارين أجريتهما مع كاتبة السلسلة في فترات سابقة، فإنّ من المهم الإشارة إلى أن المؤلفة مع ذلك لا تؤمن بالحاجة إلى تخصيص أدب طفل خاص بالإعاقة تفادياً للتمييز، وتطبيقاً لمبدأ الدمج الذي يمكن تحقيقه بطريقة تلقائية من خلال الأعمال الأدبية كافّة، قصصية ومسرحية وشعرية وكلها أساليب تمتاز بما فيها من جمال وتشويق وخيال وتصحيح مفاهيم وربط للأحداث يمكن تقديمها للأطفال عامة وذوي الإعاقة خاصة. مع الإشارة إلى الأعمال الخاصة بالأطفال ذوي الإعاقة يمكن تصنيفها موضوعياً، وإدراج موضوع الإعاقة في سلم تصنيفاتها فقط. لا تزال قضايا فئات الاحتياجات الخاصة مهمَّشة في مجتمعاتنا العربية بكل إشكالاتها الإنسانية، وهي تحتاج منا الاهتمام بها لتنسجم معنا ولتواكب المتغيرات الحاصلة حولنا، ويجب أن نتوقف عن النظرة التقليدية لها، وهي نظرة العطف والشفقة والضعف، وبالوقت نفسه لا ينبغي أن نجمِّل أوضاعها أو نصنع من أفرادها أبطالا خارقين دوماً، على مذهب المثل القائل: (كلّ ذي عاهة جبار)... الواقعية مهمة، والأهم دمجهم في مجتمعاتنا وتدريبهم على الاستقلالية وتشجيعهم على خوض تجاربهم الخاصة، كما جرى التنويه لذلك آنفاً.