12 سبتمبر 2025

تسجيل

الموقف الأمريكي من البنك الآسيوي للاستثمار

29 يوليو 2015

بمجرد توقيع الصين وبرفقتها 56 دولة آسيوية وأوروبية في الأسبوع الماضي على عقد تأسيس بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية والذي يبدأ ممارسة أعماله في أواخر هذا العام برأسمال يبلغ أكثر من خمسين مليار دولار أمريكي، ترتفع في العام القادم إلى مائة مليار، بهدف تعزيز التنمية والتعاون الاقتصادي الإقليمي في آسيا وتوفير التمويل اللازم لتنفيذ مشروعات البنية التحتية ببلدان القارة، فقد أثارت تلك الخطوة قلق ومخاوف الولايات المتحدة الأمريكية من تنامي الدور الاقتصادي للصين ومصالحها الإستراتيجية آسيويا وعالمياً، بالإضافة إلى المنافسة المتوقعة من هذا البنك الوليد للمؤسسات المالية العالمية الكبرى الخاضعة للنفوذ الأمريكي، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الآسيوي للتنمية، والأخطر من ذلك هو نجاح الصين في ضم بعض من الحلفاء المقربين لأمريكا، كبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا إلى عضوية البنك الآسيوي الجديد. وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية جاهدةً اعتراض وعرقلة طريق البنك الوليد والضغط على حلفائها الأوروبيين كي لا ينضموا إلى هذا البنك الآسيوي، حتى لا تتمكن الصين من تلبية احتياجات الدول الآسيوية في تمويل مشروعات البنية التحتية، من طاقة ونقل وطرق واتصالات وغيرها، من ثَمَّ اكتساب المزيد من النفوذ متعللة في ذلك بوجود مؤسسات مالية عالمية متخصصة أخرى تمارس هذا الدور بالفعل وعلى أفضل وجه، ومتجاهلة تماماً تقاعس هذه المؤسسات العالمية عن تأدية هذا الدور وتبنيها لأولويات وأجندات أخرى في عملية المنح تقوم في المعتاد على أبعاد سياسية وتوازنات خاصة. وأبدت الولايات المتحدة الأمريكية تخوفها كذلك من استغلال الصين لهذا البنك الجديد في تعزيز مصالحها السياسية والعسكرية ومن ثم تنامي نفوذها الاقتصادي دون النظر إلى معايير الإقراض الدولية أو المعايير العالمية للشفافية ومكافحة الفساد، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطاب حالة الاتحاد هذا الأسبوع بأن الصين تريد أن تنفرد بكتابة قواعد العمل لأسرع أقاليم العالم نمواً من أجل تحقيق مصالحها في المقام الأول، وقد تناسى عن عمد أو غير عمد أن المنافسة في تقديم الخدمة بين المؤسسات التمويلية العالمية المختلفة يمكن أن تكون في صالح عمليات الإقراض التنموي، وأن أفضل وسيلة لمعالجة هذه التخوفات الأمريكية "إن كانت حقيقية" هي الانضمام لعضوية هذا البنك ومن ثم التحكم في وضع اللوائح والضوابط والمعايير التي تنظم عمل البنك وضماناته. ويرى الكثير من الخبراء في اهتمام الصين بتأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وفي الرفض والعرقلة الأمريكية لإنشاء البنك، ما هو إلا نوعاً من التنافس بين القطبين الكبيرين على قيادة العالم اقتصادياً في القرن الحادي والعشرين، حيث تريد الولايات المتحدة الأمريكية تأكيد هيمنتها وسيطرتها على المؤسسات المالية العالمية الكبرى والتي استمرت لأكثر من سبعين عاماً ومن ثم التحكم في إقراض وتمويل مشروعات التنمية بدول العالم المختلفة وفقاً لمدى ولاء وتبعية هذه الدول إليها.... فيما تريد الصين وهي تهيئ نفسها لقيادة العالم اقتصاديا خلال السنوات القادمة من تغيير النظام المالي العالمي لصالحها من خلال إنشائها لمثل هذا البنك وغيره من المؤسسات الأخرى التي تعمل على تأكيد وتعظيم الدور الريادي للصين، تمويلياً واقتصاديا وسياسياً، على المستويين الإقليمي والعالمي. ولعل هذا هو ما أغضب الولايات المتحدة الأمريكية من حلفائها الرئيسيين الذين انضموا إلى عضوية البنك الاستثماري الجديد الذي يعزز من قيمة وأهمية الصين على المستوى العالمي ومن بينهم ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وإن كان النصيب الأكبر من الغضب قد انصب على بريطانيا للدرجة التي دفعت أحد المسؤولين الحكوميين الأمريكيين إلى الزعم بأن سياسة التقارب التي تنتهجها الحكومة البريطانية مع الصين تضع العلاقات الأمريكية البريطانية أمام تحديات خطيرة، كما دفعت بعض الخبراء الاقتصاديين إلى التهكم بأن هذه الخطوة البريطانية ما هي إلا حالة من حالات الخروج عن النص. وفي ظل هذه التطورات، طالب العديد من الخبراء السلطات الأمريكية بضرورة مراجعة مواقفها المتعلقة برفض وعرقلة تأسيس البنك الصيني الآسيوي، مما اضطر هذه السلطات الأمريكية إلى تغيير وجهة نظرها "بصفة صورية" والترحيب "على مضض" بوجود البنك الجديد وبوجود أي مؤسسات مالية أخرى متعددة الأطراف يمكن لها أن تعزز من مكانة المنظومة المالية العالمية. وصرح بعض المسؤولين الاقتصاديين الأمريكيين بأن البنك الآسيوي للاستثمار يمكن أن يلعب دوراً مساعداً في دعم جهود المؤسسات المالية العالمية القائمة كالبنك الدولي، والبنك الآسيوي للتنمية، فيما شكك البعض الآخر من الخبراء في هذه التصريحات والتي تعني بكل بساطة ووضوح قبول الولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها بتعاظم الدور الاقتصادي والريادي للصين على المستوي العالمي، وهو أمر مشكوك في مصداقيته إلى حد بعيد.