30 أكتوبر 2025

تسجيل

أوراق ما قبل الغروب

29 يونيو 2014

أوراق صغيرة متناثرة على طاولته ،يحاول أن يملأها بالحروف قبل أن يحل الغروب، يود بعدها أن يكتفي بالصمت إلى أن يأسره التأمل ليلاً ، فيُنصت إلى تلاوة عذبة من القرآن الكريم في شهر فضيل تاركاً خلفه حياة هالكة .لا يرغب في شيء سوى العيش بهدوء بنسيان الماضي والبدء من جديد بروح موقنة برحمة الله -تعالى- يتمنى أن يمطر الاستغفار حياته فتنبت في محيطه وروداً من الابتهاج، فلا هماً يخالطه ولا عذاباً يقاسيه مؤمناً بأن من كان مع الله كان الله معه ." في كثير من الأحيان يتوقف نبض أحدهم وصدره مليء بالآهات المكبوتة فتُدفن معه في قبره " هو يؤمن بذلك ، والآن خلجات نفسه قد شارفت على الوقوع في كنف الأوراق، فأصبح غائباً عن واقعه بعد أن أمسك القلم مستسلماً لهيمنة الحروف .الورقة الأولى :في رمضان سأغيّر واقعي الذي يحيط بي، سأمنح نفسي فرصة لأن أتبدل وتتطهر روحي الغائبة عن الجو الإيماني، سأحاول جاهداً أن تصبح حياتي بمفهوم آخر وبنفس راضية بحكم الله وقضائه ، سأرفع يدي إلى السماء وقلبي يختزن الكثير من الدعوات ، لكي أجعلها تتطاير إلى الأعلى عليّ أحظى بالاستجابة، وربي لا يُخيّب من دعاه .الورقة الثانية :في رمضان يتوقف الناس لساعات عن التهام الطعام، وطوبى لمن يتوقف أيضاً عن أكل لحوم البشر والطعن بهم ومجاراة السيئة بالسيئة ، والتمادي في استخدام اللسان السليط الذي يتناثر منه " السم الهاري"، فإن كانت الشياطين مصفدة في السماء برمضان، فإن بعض البشر على الأرض يحتاجون إلى تصفيد أيضاً !الورقة الثالثة :القرآن يمتص همومك وآلامك وشجونك كالإسفنجة فيُزيلها تماماً، لاسيما إحاطتك بالحسنات، فبكل حرف حسنة ، وفي رمضان تتضاعف إلى أجر عظيم، وهو الصاحب الذي لن يخذلك ، ولن يتركك وحدك إن جعلته جزءا لا يتجزأ من حياتك، والعبرة لمن جعله ملازماً له في جميع أيامه وليس فقط في رمضان .الورقة الرابعة :بعض البشر وجودهم شر في هذه الحياة ، منهم من يؤذيك بلسانه، وآخر يسترق السمع وراء بابك لكي يُخزّن ما تقوله في القرص الصلب المغروس في عقله ! لكي يُعيد تشغيله وقت الحاجة عندما يقع تحت وطأة أحدهم ممن يُكنون لك العداء والحقد! فيُسهب الحديث عما قلته وبحت به دون علمك ، ففي رمضان فرصة عظيمة لكي تدعو لهم بالهداية والصلاح وأن يمنحهم الله -سبحانه وتعالى- العقل السليم ، فالدعاء لهم بالهداية خير من الدعاء عليهم، ولله في خلقه شؤون .الورقة الخامسة :السير في طريق الحياة ليس إلا غُربة ، مهما كانوا أحبابك حولك، فهناك حياة أخرى في عالم أخروي تنتظرنا ، ومنها سنبدأ، ولكن علينا أن نعُد لها ونبني من أجلها قصور من الحسنات، قبل أن يحين وقت الرحيل المجهول إليها ، فاعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً .ورقة ختامية :رمضان سيعود دائماً إلى أن تقوم القيامة، وأما نحن فإننا سنغيب يوماً عنه ، وهذه فرصتنا لكي نتغير، نصلح الكثير من عيوبنا وأخطائنا، ونتسامح ونتقاضى عن أمور عدة يرتكبها الناس في حقنا ، فعودتنا إلى الله -سبحانه وتعالى - هي لوحدها جنة في الدنيا، وأسأل الله لي ولكم أن يجمعنا في الفردوس الأعلى ، ومبارك عليكم الشهر .