13 سبتمبر 2025

تسجيل

وبدأت حفلات النفاق

29 يونيو 2012

المطلع على الصحف الكبرى في الأيام الثلاثة التي أعقبت إعلان فوز الرئيس محمد مرسي يلاحظ كيف تحاول قوى الفساد التسلل من جديد لتبحث عن موطئ قدم مع الحاكم الجديد.. فقد رأيت - في اليوم التالي مباشرة لإعلان فوز الرئيس - إعلاناً ملوناً على الصفحة الأخيرة من الأهرام لشركات منصور عامر، وهو ركن عظيم من أركان الحزب البائد المنحل، وفي اليوم الذي يليه ظهر إعلان مماثل لشركات محمد أبو العينين وكلاهما هنأ الرئيس الجديد وعبر عن سعادة شركاته بفوزه، وهذا المسلك يذكرنا بالستينيات والسبعينيات، حين كانت الصحيفة من الصحف القومية تصدر في نحو عشرين صفحة ثلاثة أرباعها إعلانات ضخمة ملونة مدفوعة الأجر الباهظ، تتصدرها صور الرئيسين جمال عبد الناصر (الزعيم الملهم) أو أنور السادات (الرئيس المؤمن) وبجانب صورة الزعيم الملهم أو الرئيس المؤمن – بالوضع: واقفاً، ضاحكا، رافعاً يده - تسيل أنهار النفاق وعبارات الافتداء بالروح والدم. وأما الربع الباقي من الصحيفة فكان يضم مقالات رؤساء التحرير التي تتغزل في حكمة فخامته، وقدرته على ضبط اتزان الكرة الأرضية، وارتعاد الأمم في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها من غضبة فخامته. وبعضهم كان يتحدث عن ورع فخامته ورقة قلبه، وكيف أنه يقضي ليله قائما راكعاً ساجداً من أجل الفقراء يصلي ويدعو لهم بالستر في الدنيا والآخرة، وبعضهم كان يؤكد انحياز فخامته الدائم لمحدودي الدخل!! هل يريد فلول الرأسمالية البشعة المعاصرة من أمثال منصور عامر وأبو العينين والسلاب وغيرهم أن يعيدونا إلى عصر تلك الصحافة البالية؟. من الطبيعي أن ترحب الصحف بتلك النوعية من الإعلانات لأنها تمثل بالنسبة لها مورد دخل سخياً مريحاً. ومن الطبيعي أن يسعى هؤلاء الأثرياء إلى التربع بأسمائهم وصورهم ومآثر شركاتهم على صفحة كاملة أو صفحتين لعل نظر الرئيس يقع عليها فيرضى عنهم. ولكن الذي لا يدركه الطرفان.. كثير، فلا الصحافة حاليا، بتوزيعها المحدود، أصبحت هي وسيلة الإعلام الأولي، بل نافستها الشاشات الجذابة، ومواقع شبكة المعلومات الدولية. ولا الرئيس محمد مرسي من تلك النوعية من الرؤساء التي يستهويها الرقص البلدي الذي اعتاد هؤلاء الراقصون ممارسته دون إدراك بأنه يمثل فعلا فاضحا في وسيلة إعلام عامة!! إذا لم يجرمه القانون، فقد تحرمه الرجولة، وتأباه الأخلاق، وتتجافى عنه المبادئ. وقد أحسن الرئيس محمد مرسي حين أصدر توجيهاً رئاسيا منذ يومين بوقف هذا الهزل، ويجب على مؤسسة الرئاسة أن تحول هذا التوجيه إلى قرار ملزم للصحف لكي توقف هذا اللون المتصل من الرقص البلدي السمج. وهناك لون آخر سمج من ألوان الرقص البلدي تمارسه ثلة من الكائنات العجيبة، تسمي نفسها أسماء حركية مثل (ناشط حقوقي – محلل سياسي – خبير إستراتيجي... الخ) يأخذ الواحد منهم (بعضه) ويتجه إلى مدينة الإنتاج الإعلامي ناويا [ كما ينوي الحاج الإقران بين الحج والعمرة] الاستضافة في الشاشة (س) والمشاركة في ندوة على الشاشة (ص) ومتصلا هاتفيا [ من بوفيه الاستديو عادة ] ببرنامج في الشاشة (ع) وقد يجمع بين هذا كله وبين لقاء مصوَّر على ناصية شارع للشاشة (د).. ويقول في كل لقاء ما فحواه (... أنا في الحقيقة لا أنتمي لجماعة الإخوان المسلمين لكنني أرى أن الرئيس مرسي هو الأنسب لهذه المرحلة لما يتمتع به من اعتدال وحكمة وتواضع!) وما يكاد ينطق بهذه الجملة حتى تنفتح أمامه أبواب ماسبيرو السحرية وتتلقفه شاشات القنوات الحكومية آناء الليل وأطراف النهار يكرر جملته تلك التي تفتح له أبواب أنهار من الرزق. وهذه الكائنات العجيبة التي تسمي نفسها أسماء حركية مثل (ناشط حقوقي – محلل سياسي – خبير استراتيجي... الخ) احترفت هذا الطريق السهل من طرق الثراء السريع الذي لا تصل إليه أيدي مراقبي الضرائب. متغاضية عما يسببه ظهورها من تفشي واستفحال الأمراض البيئية الخبيثة التي تصيب مشاهديهم الأبرياء مثل البلادة والتنبلة وسوء الظن والبحلقة في الأفق عند أول استفسار!.