14 سبتمبر 2025

تسجيل

لمدعيي الممانعة وللمتباكين على دعمها زيفا وظلما!

29 يونيو 2011

خطاب نصرالله يقدم مصلحة سوريا النظام على الوطن جاء ربيع الثورات العربية ليسقط كثيرا من الأقنعة المزيفة، ويميط اللثام عن كثير من الحقائق المزورة والمغيبة وفي مقدمتها ما تدّعيه بعض الأنظمة من دورها الممانع والداعم للمقاومة ضد الاحتلال، ومواقف بعض الجهات المرتبطة بها والمتحالفة معها، كحزب الله والتضليل الذي تقوم به الأخيرة حتى يومنا هذا، في محاولة منها لمنع سقوط هذه الأنظمة بسبب ما يربطها بها من مصالح مشتركة. حتى وإن صدّقنا حكاية الدور الممانع أو الداعم للمقاومة التي تدّعيه بعض الأنظمة كالنظام السوري على اعتبار أنه موقف مبدئي لها وليس دورا مصلحيا فإن ما يمكن قوله في هذا الصدد: ـ إن قوة أي نظام من قوة شعبه وتماسك قواه الداخلية في مواجهة التحديات الخارجية والعكس صحيح، ومن ثم فإن حرية الشعوب داعمة للدور المقاوم المزعوم لهذه الأنظمة، والديكتاتورية التي تورث إذلال الشعوب منافية لهذا الدور ونقيض له. ومما يروى أن بعض أحياء العرب أغاروا على قوم من بني عبس فأصابوا منهم، فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم عما معهم وعنترة فيهم فقال له أبوه: كرّ يا عنترة، فقال عنترة: العبد لا يحسن الكرّ إنما يحسن الحلب والضرّ، فقال: كرّ وأنت حرّ، فكرّ وأبلى بلاء حسنا يومئذ، فدعاه أبوه بعد ذلك وألحق به نسبه، وقد بلغ الأمر بهذا الفارس الذي نال حريته بشجاعته أنه دوّخ أعداء عبس في حرب داحس والغبراء.. لذا فإن" كل من يعتقد أنه يستطيع أن يحارب الأعداء بشعب من العبيد فهو مخطئ تماما، فلا يقاتل ببسالة إلا الأحرار". ـ كيف يستقيم أن تدعم هذه الأنظمة حقّ المقاومة حتى تُسترَد الأرض المغتصبة والحقوق المسلوبة للشعوب العربية وغير العربية، وتقوم بمنع شعوبها من حقوقهم التي أوجبتها لها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، وتسومهم القتل والاعتقال لمجرد أنهم خرجوا باحتجاجات سلمية منادين بالحرية والكرامة وغيرها من الحقوق المشروعة لهم. الأصل أن يغضب حكام هذه الأنظمة لحرية شعوبهم ويسهروا على حماية حقوقهم، لا أن يمنعوا الحقوق عن أصحابها تحت مبررات مزعومة كـ " المؤمرات الخارجية".. لقد بلغ من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أن يطلب من غلام قبطي أن يقوم بالقصاص من ابن والي مصر عمرو بن العاص لأن الأخير ضرب الأول اعتمادا على سلطان أبيه، وأطلق كلمته المشهورة موجها إياها لعمرو بن العاص: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتم أمهاتهم أحرارا". عندما اندلعت ثورتا مصر وتونس أشار الرئيس السوري في حوار مع صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن رياح التغيير لن تهبّ على بلاده، معتبرا أن الأوضاع مستقرة فيها، وبرر ذلك بما اعتبره قربا من معتقدات شعبه، في إشارة إلى توافق الشعب معه حول القضايا القومية ودعم المقاومة ضد الاحتلال، وأكد فيها أن لديه "وقتا أكثر من الرئيس حسني مبارك لإجراء إصلاحات، لأن معارضته لإسرائيل وأمريكا جعلت موقعه أفضل في بلاده". وكان واضحا أن تقديرات الرئيس كانت خاطئة تماما، فالشعب انتفض في حراك سلمي عريض، عدّ الخامس عربيا، كما اتضح أن مدة أربعين أو خمسين عاما من الدعاية الكاذبة لحكم الحزب الواحد والأسرة والواحدة لم تكن مقنعة له بأن النظام داعم للمقاومة، كما ادعى، أو كما يحاول زعيم حزب الله أن يقنع الشعب السوري والشعوب العربية به الآن، وحتى لو كان الأمر كذلك فإن حرية الشعوب وكرامتها ليست نقيضا للمقاومة ومواجهة الاحتلال بل تسهم في دعمها وتعضيدها. موقف النظام السوري من المقاومة امتحن في أمور كثيرة ففشل، ولعل تصريحات رامي مخلوف لصحيفة "نيورك تايمز" قد فضحت جوهر وحقيقة المقاومة التي يتبناها حينما قال ":إذا انعدم الاستقرار هنا ـ بسوريا ـ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوجد استقرار في إسرائيل"، مخوفا الغرب بأن بديل النظام هم " السلفيون"، ثم اتضحت الأمور بشكل أكثر جلاء عندما ترجمت رسالة رامي مخلوف مباشرة من خلال سماح النظام السوري لفلسطينيين وسوريين بدخول الأراضي المحتلة عبر هضبة الجولان مؤخرا، وتساءل الشارع السوري حينها: لماذا لم تطلق طلقة واحدة من هذه الجبهة طيلة أكثر من أربعين عاما ولم يسمح لأحد الوصول للكيان الصهيوني عبرها إلا الآن؟ لقد أخطأ سيد حزب الله مرتين عندما وجه نصائح في غير محلها لدعم ما يدعيه النظام الممانع الوحيد في المنطقة، الأولى لأنه يريد أن يثبط من إرادة الشعوب العربية المصرة على انتزاع حريتها وكرامتها من بوابة النصيح والادعاء بالحرص على مصالح الأمة بينما يحرص في الحقيقة على المصالح المشتركة مع النظام الذي يدعمه وحلفاءه في المنطقة، والأخرى لأنه سيفقد البقية الباقية من شعبيته في الشارع العربي بعد ارتفعت أسهمها لاسيَّما بعد حرب عام 2006. كان حريا بأن يوجه نصائحه للنظام في سوريا ـ كما فعلت الحكومة التركية ـ لدفعه نحو الإسراع في الإصلاحات منذ الأيام الأولى للاحتجاجات والوقوف إلى جانب الضحية والمظلومين لا إلى جانب الجلاد، وأن يوجه النصائح لنفسه ولنظام طهران ليكفا عن دعم النظام السوري سياسيا وأمنيا بعد أن طفت على السطح صور كثيرة لهذا الدعم، وهو ما حمل المتظاهرين في شوارع سوريا للهتاف ضدهما وضد تدخلاتهما المزعجة المؤلمة. إنه بنصائحه يعين الظالم على الظلم وقد يعينه على الإمعان في خطه الاستئصالي الذي يمضي به حتى الآن قدما نحو الأمام، وهو ما قد يفضي إلى نتائج لا تحمد عقباها بالنسبة لسوريا الوطن والدولة، أي أنّه بدلا من أن يقدم مصلحة سوريا النظام والأشخاص، عليه أن يقدّم عليها مصلحة سوريا الدولة والوطن.