10 سبتمبر 2025
تسجيللما كان الإنسان اجتماعيا بطبعه. وأنه لا يعيش ولا ينسجم إلا مع جماعة انسانية محيطة به، يتأثر بها ويؤثر فيها. كان لابد من ظهور الخصومة والمدافعة والجدال والحوار كمطلب أحياناً من متطلبات هذا التفاعل من أجل إثبات الحق، وإبطال الباطل، ودفع المظالم. والجدال الذي يغلب على صاحبه حب النفس، واتباع الهوى، وحب التميز عن الآخرين، والمخاصمة لأجل المخاصمة، وطلب الغلبة وليس نصرة الحق وتبيان حقوق المظلومين فذلك هو الجدال المذموم الذي حذرت المنطلقات الشرعية، ففي الحديث الشريف: «أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا». وينتشر هذا النوع من الجدال العقيم بين عامة الناس وجهالهم، والذين لم ينالوا قسطًا وافرًا ولا حظاً من العلم والثقافة. والذي يحدث في معظم أوقاتهم التي يعتريها الفراغ أنه عندما يطرح أحد الأفراد موضوعًا للحوار والمناقشة، يسارع الجميع للإدلاء بآرائهم. وفي لحظات يتحول الحضور إلى فريقين، تلقائيا، فريق مؤيد للطرح الأول، وفريق آخر معارض له تمامًا، والأعجب أن الفريقين لا ينتمون الى الفكرة من حيث تخصصهم المعرفي والفني ولا من حيث الخبرة. ويسير الحوار من سيئ إلى أسوأ، والجميع يحاول أن يثبت وجهة نظره، والكل يتسابق للكلام، وتعلو الأصوات، ويتحول الحوار الذي بدأ هادئًا منذ لحظات إلى فوضى عارمة، وجدال عقيم حاد ثم يتطور الأمر إلى التجريح والتقليل من شأن الآخرين ويظل الأمر هكذا دون الوصول إلى نتيجة متفق عليها ويتطور الأمر إلى الخصومة. فالجدال مجلبة للعداوة، وسبب من أسباب التفكك الاجتماعي، وأحيانا بوابة للكذب والافتراءات، وتعلو فيه حظوظ النفس وتنامي الكبر والغرور، ويجلب للفرد في نهايته استنفادا لطاقته وشعوره بالإحباط واليأس وعدم الثقة بالنفس وزعزعتها. كما أنه يؤدي إلى ضياع الوقت والجهد دون الوصول إلى نتيجة. لذلك في خضم الجدال تغيب الحقائق، ويقل العلم، ويحل محله الجهل والخرافات والكذب وتحريف النصوص. وخطورة الجدال السلبي أنه قد يتحول الى تشكيل جبهات صراع مجتمعي بين الطوائف والطبقات، مما قد يؤدي إلى تفكك المجتمعات، وتصدع جدار الوحدة بين المواطنين. فهكذا الجدال العقيم يفرق ولا يجمع، ويهدم ولا يبني، فهو حرب في غير ميدان، وضجيج بغير طحن. فعلينا أن نتأدب بأدب الحوار، حتى يظل الحوار مثمرًا ومفيدًا، وأن نجعل من هذا الحوار رحلة فكرية نستطيع من خلالها أن نصل إلى أفكار ورؤى جديدة.