13 سبتمبر 2025
تسجيليمثل التقاعد في مجتمعنا ليس فقط أزمة فردية كأن يجد الفرد نفسه خارج دائرة العمل والاهتمام، خاصة إذا لم يكن قد استعد لمثل هذا اليوم بإيجاد عمل خاص له أو بيئة اجتماعية تحتضنه، بل هناك أزمة بنيوية أخرى ذات قطع طولي "في بنية الوعي" "فيما يتعلق بما بعد التقاعد"، ولكنها تستفحل في مرحلة ما بعد التقاعد بشيء من الحديّة. والجدير بالذكر أن العمل الحكومي ليس مقياساً دقيقاً لكفاءة الشخص، فكل العملية الإنتاجية المادية والسيادية تجري بعيداً عن كفاءة الأفراد إلا كمنفذين وليس كراسمي سياسة أو متخذي قرار. يبقى إنجاز الشخص هو دوره الاجتماعي في أدائه لوظيفته؛ بمعنى مراعاته للعادات والتقاليد وحسن الاستقبال وما إلى ذلك، فيخرج الناس يشكرونه ويثنون عليه، هذا هو في الأغلب الإنجاز في أغلب وظائف الدولة في الداخل أو في سفاراتها في الخارج. هناك أسماء دائماً في ذاكرة المجتمع لا تُنسى، وزراء كانوا أو سفراء أو مديرين، أو ملحقاً طبياً كان أم قنصلياً على جميع المستويات، مهما كانت شهادتك وعلمك ونسبك وأنت لا تراعي هذا الوضع الاجتماعي، واللمسة الإنسانية هذه في معاملة الناس أو المراجعين فأنت فاشل، لأنك أصلاً لا تصنع سياسة كما قلت، وزيراً كنت أم سفيراً، في أفضل حالاتك تستقبل وتودع وتنفذ ما يملى عليك، لذلك يعتقد العديد أنهم قد ظلموا وأنهم أكثر كفاءة من غيرهم أصحاب المناصب، وأنهم أحيلوا باكراً للتقاعد. المصيبة، إنهم لم يدركوا أن النجاح هنا في كسب ود الناس ومحبتهم مهما كان دورك أو موقعك أثناء المنصب وبعد المنصب، فالتقاعد بالنسبة لهؤلاء يصبح أزمة بنيوية ليست فقط خروجاً من ألق الوظيفة، بل حتى من قلوب الناس ومن ذاكرتهم، فيبدو وكأنه قعر يعاني صاحبه من صمت جدرانه، وانقطاع حبل المجتمع من الوصول إليه، إذا لم تصل الأمور للحالة السايكوباثية يتبعها نكوص طفولي وحاله هذيان لا تتوقف.