29 سبتمبر 2025

تسجيل

التخطيط العمراني لإسكان القطريين.. بين الواقع والمأمول

29 مايو 2022

لقد أدى ارتفاع مستوى الدخل، وتحسن مستوى المعيشة، الذي نتج عن إنتاج النفط وتصديره إلى التغير العمراني الذي عرفته دولة قطر في العقود السبعة الماضية. وهي تغيرات كثيرة طرأت على طبيعة العمران. أهمها هو التغير في حجم البناء، وطريقة توزيعه في المكان. ولقد نتج عن ذلك «مشكلة» خطيرة هي أن الانتقال من مكان إلى آخر لم يعد إلا بالسيارة. ومعلوم أن هذه التغيرات لم تحدث فجأة، وإنما امتدت لفترة زمنية ناهزت الخمسة عقود، لم يتم الالتفات فيها إلى استخدام النقل العام وسيلة للمواصلات، ولا الاعتماد على نموذج آخر يحاكي وظيفة الحي القديم. والنتيجة هي اعتماد المواطنين والمقيمين على السيارات الخاصة، التي تضاعف استخدامها خصوصاً بالنسبة للمواطنين. وهذا ما عبرت عنه الخطة العمرانية في القول بأن «التشكيل العمراني الحالي لدولة قطر» هو نتاج لتطور نظام النقل السائد. ولقد ترتب على زيادة استخدام السيارات الخاصة مجموعة من الآثار السلبية منها التلوث البيئي، والازدحام المروري وما يصاحبه من مشاكل، وقلة الحركة والنشاط البدني وما نتج عنه من أضرار صحية، كما إزداد الضغط على الموارد العامة لتوفير شبكات الطرق المختلفة التي تعالج مشكلة الازدحام. ولقد جاءت «الخطة العمرانية الشاملة لدولة قطر» لتنبه إلى المشاكل التي لحقت بالتوسع العمراني في مدينة الدوحة وضواحيها، وتؤكد على مجموعة من الأفكار الهامة في معالجة تلك المشاكل خصوصاً في المناطق المخصصة لسكن القطريين، وطرحت مجموعة من الحلول، منها: أهمية أن يشكل مفهوم ((الفريج)) - بما كان يوفره من سهولة ويسر في حركة الحياة اليومية - خلفية مرجعية عند تصميم الأحياء السكنية. وهذا ما أشارت إليه الخطة بوضوح عندما أكدت على ضرورة أن تكون الخدمات والمرافق المجتمعية سهلة الوصول إليها وفي زمن مناسب، وأن»هناك حاجة ماسة لتحويل المجتمع الحالي من الاعتماد على السيارات الخاصة في الانتقال والحركة إلى مجتمع مُشَجّع لحركة المشاة»، أقول، مع ذلك الوعي، إلا أن الخطة العمرانية لم تقدم نموذجاً يحتذى لتخطيط منطقة جديدة لسكن القطريين يتفادى المشكلات التي أشارت لها الخطة، عن طريق الاعتماد على المشي، والدراجات الميكانيكية و/أو الكهربائية في حركته اليومية، فظلت المشاكل قائمة كما كانت. لذلك نجد على سبيل المثال، منطقة حديثة نسبياً مثل (روضة الحمامة) وهي تشتمل على ( 2047 ) قطعة أرض، أي أنها تستوعب أكثر من 12000 نسمة، تتناقض مع الأفكار التي تحملها الخطة العمرانية، وتُكَرر ذات الأخطاء التي قام عليها التمدد العمراني لمدينة الدوحة. فالتوزيع المكاني للخدمات والمرافق المجتمعية لا تمكن المواطنين من الوصول إليها بسهولة ويسر لأنها – كما هي العادة - مبعثرة في المكان. إضافة إلى افتقادها لبعض الخدمات. فمثلاً لا توجد في المنطقة سوى مدرسة واحدة ابتدائية للبنين، وتقع في أقصى الطرف الجنوبي من المنطقة. و(الميرة) تقع في الطرف الغربي الجنوبي. ولا يوجد بها روضة للأطفال ولا مدارس إعدادية وثانوية، ولا مركز صحي... الخ إن سهولة الوصول إلى المرافق والخدمات المعيشية دون استخدام السيارة، تقتضي أن تكون تلك الخدمات في مركز المنطقة.(مثل المسجد الجامع والمدارس ودور الحضانة، وروضة الأطفال، والمركز الصحي، ومحلات بيع السلع الغذائية (الميرة) وغيرها مما يحتاجه سكان المنطقة). ويمكننا تصور حركة السكان (الطلاب إلى المدارس، والأهالي إلى مركز التسوق والعبادة.. الخ)، تنطلق من الأطراف متجهة إلى المركز دون الحاجة إلى استخدام السيارة. وبدون ذلك ستظل الأفكار الكثيرة التي تضمنتها الخطة العمرانية حبراً على ورق ! يمكننا ملاحظة ذلك في المساكن وتوزيعها المكاني التي انتشرت منذ بداية السبعينيات. منها على سبيل المثال مدينة خليفة ، وسكن كبار الموظفين في منطقة الخليج الغربي وغيرها . لن نتتبع ما تضمنته الخطة من أفكار وإنما سنركز على ذلك الخاص بتطوير مناطق سكن المواطنين. وبجانبها مبنيان قد صمما في الأساس كمدارس ، لكن نتيجة لرداءة التخطيط، تم استغلالهما لكلية المجتمع ! بالتأكيد هناك أكثر من تصور لتوزيع الخدمات في المنطقة . لكن تظل الفكرة الموجهة لأي تصور هي سهولة الوصول وعدم استخدام السيارة.