12 سبتمبر 2025
تسجيلحطَّ الأمينُ العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الدوحةَ، حاملاً دعوةً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية إلى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، تضمنت دعوةَ سموه لحضور القمة الطارئة لمجلس التعاون التي من المقرر أن تُعقد في مكة المكرمة يوم 30 مايو الحالي، وتسلّم الدعوةَ سعادةُ الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية. هذه الدعوة مثارَ استغرابٍ لكثير من الدوائر السياسية، لأنها تأتي في ظلِّ ظروف استثنائية، حيث حصار الدول الأربع ( المملكة العربية السعودية، الإمارات، البحرين، ومصر) لدولة قطر منذ ما يقرُب من عامين. ولم تلُح في الأفق أيةُ بادرة لتعديل المسار الخاطئ الذي اختطّته هذه الدول ضد دولة قطر، أو لتخفيف حِدَّة التوتر و»الملاسنات» الإعلامية ضد دولة قطر، خصوصًا وأن الحصار قد بُنيّ على «باطل» وهو اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، وبث شريط مُلفقٍ عن حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى في 24 /5 /2017. وهو أمرٌ خالفَ كُلَّ الأعراف الإعلامية، وللنظام الأساسي لمجلس التعاون، وميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق الأمم المتحدة. ورَجلُ الشارع البسيط في الخليج يتساءل: « إذا كُنتَ أنت تُحاصرني، وتخترقُ سيادة دولتي، وتمارسُ أقسى أنواع الحصار ضد شعبي، وتتهمني بدعم الإرهاب!؟ فكيف تدعوني كي أجلسَ معكَ على طاولة واحدة ! قبل أن تحلّ الأزمة المُفتعلة بيني وبينك»؟ هذا نمطُ تفكيرِ رجل الشارع البسيط، الذي لا يدرك كُنهَ السياسة ولا تعرُّجاتها!؟ فما بالكم بالنخب في الخليج، والتي تعلم جيدًا، أن الحصار المفروض على دولة قطر لم يستفد منه أحد! بل لعل المستفيدين الوحيدين هم (هل قطر) الذين غيّروا اتجاه البوصلة، وبدأوا يعتمدون على أنفسهم في كُلِّ شئ، وقاوموا الحصار بفاعليات إيجابية، مؤمنين بأن حقيقة « مجلسهم» الذي حاصرهم، باستثناء دولتين (الكويت وعمان)، أنه أصبح مخطوفًا، ولم يعُد له التأثير السابق، سواء في المحيط الإقليمي أو الدولي. كما تحدثت عن ذلك السفيرة (آن باترسون) السكرتيرة المُساعدة السابقة لشؤون الشرق الأدنى وشمال إفريقيا في إدارة (باراك أوباما) من أن « مجلس التعاون انتهى إلى حدٍ كبير، ولن يعود كما كان سابقًا». (الشرق 27/5/2019) وفي حقيقة الأمر، فإن الظروف الحالية لا تسمح بعقد أية قمة، سواء كانت خليجية أم عربية!؟ ذلك أن مواقف الدول الخليجية والعربية متضاربة تجاه الأحداث الجسام التي تواجه الأمة العربية. ولعلنا نتساءل: مَن سوف يجلس على كرسي (ليبيا) في القمة؟ هل هي الشرعية المُحارَبة من قبل ميليشيات (حفتر)، أم هذا الأخير؟ ومَن سيجلس على كرسي (اليمن) ؟ هل هي الشرعية المخطوفة في الرياض؟ أم (الحوثيون) الذين طالت صواريخُهم أهدافًا داخلية غائرةً في العُمق السعودي؟ ومن سيجلس على كرسي (السودان)؟ هل هو المجلس العسكري ؟ الذي يطوف دول «التحالف» ضد اليمن، كسبًا لتأييد محفوفٍ بالمخاطر؟ أم ممثلين عن الشعب السوداني الذي ما زال مُصرًّا على حكومة مدنية بعيدًا عن وصاية العسكر! ونفسُ الكلام ينطبق على كُلِّ من الجزائر وسوريا. وهل سيتم استقبال الرئيس الإيراني (حسين روحاني) كرئيس دولة أم كـ «عدو» حُشدت أمام شواطئ بلاده القواتُ الأمريكية بكُلِّ عتادها الحربي! وما هو القرار الذي ستَتفتَّقُ عنه ذهنية الدبلوماسيين، ولجنة الصياغة في القمة الإسلامية، فيما يخص دعم إيران للحوثيين في اليمن، ودعم إيران لحزب الله في لبنان، وبعض الفئات المسلحة في العراق؟ وإذا ما أضفنا كُلَّ هذا « العبءِ السياسي» على صدر العرب، إلى موضوع حصار دولة قطر، بمن فيهم صاحبة الدعوة، فإن الأمر يبدو ضربًا من المُحال، أو أن الدعوة قد أتت لرفع « العتب»! وكان الأجدى أن يُبادر الأمين العام لمجلس التعاون بعد تفجُّر أزمة الحصار، « وينفخ في روح هيئة فضِّ المنازعات»، التي لم تتحرك منذ إنشاء المجلس وحتى اليوم، ويجمعُ أعضاءَها من الدول ويجوب عواصم الدول الأعضاء في مجلس التعاون، لإيجاد حلٍّ للأزمة المُفتعلة، لا أن ينتظر « إملااءات» بعض الدول غير الأعضاء في مجلس التعاون، أو « يقبع» عند الهاتف في الأمانة العامة، وكأنه موظفٌ في وزارة الخارجية السعودية !؟ نعم، الخليج اليوم يمرُّ بأزمة، ودعنا من أزمة الشعوب التي توسعت اتجاهاتُها، وحفرت جروحًا غائرة في التاريخ والجغرافيا، ولنحاول النظر بموضوعية إلى هذه الحشود الأمريكية في مياه الخليج! و» الملاسنات» بين الولايات المتحدة وإيران، وكلتاهما طرفٌ رئيسٌ في قضايا أمن المنطقة. كما أن العرب، من خارج الدائرة الخليجية ومن داخلها، لي يقبلوا « إملاءات» من بلد واحد!؟ ونتوقع أن يكون التمثيل في هذه القمم دون المستوى المأمول، كي يتم رفع العتب، ولأن الظروف على الأرض غير مواتية لقعد مثل هذه القمم. كما أن التصعيد الإعلامي ضد دولة قطر وإيران واليمن وليبيا والعراق وسوريا لا يصبُّ في مصلحة القمتين العربية والإسلاميةّ. فها هو وزير الدول للشؤون الخارجية السعودي (عادل الجبير) يُحذِّر « بلادي لا تريدُ الحرب، ولو قام الطرفُ الآخر بالحرب، فإن بلادي ستَرد»!؟ إن ثلاث سنوات من الحرب على الحوثيين لم تفرز أي نصرٍ للتحالف، فما بالكم بإيران وعُمقها التاريخي والبشري، وقواتها المُدربة وسلاحها القوي!؟ إن الحرب ليست من مصلحة أي بلد، وطرفا الحرب سيكونان خاسرَين، بما في ذلك مَن سيحارب بـ « الوكالة» كي يقبض الثمن !؟ لذا، فإن الجهود و التصريحات يجب أن تتجهَ نحو حوار العقل، ومحاولة إيجاد أرضياتٍ صالحة للحوار والتقارب. أما عقدُ قممٍ، «وسط اللهب»، فلا طائل منها، ولن تخدم شعوبَ المنطقة، بقدر ما تُشكل إبرَ « مورفين» لتسكين ألم الجسد العربي !؟ وقد حدث تطوُّر مهم في الأسبوع الماضي، عندما قام السيد يوسف بن علوي عبدالله وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني بزيارة لطهران، وتواصله أيضًا مع القيادة الأمريكية، في محاولة لترتيب طاولة التفاوض بين الجانبين. وقد أشار السيد/ خالد الجار الله نائب وزير الخارجية الكويتي إلى ذلك: « يبدو أن المفاوضات بين طهران وواشنطن قد بدأت «.. وأن « الجانب الأمريكي قد أعرب عن عدم رغبته في دخول الحرب».. وعن القمم الثلاث المزمع عقدها في مكة المكرمة قال (الجار الله): « نتمنى أن تتم معالجة الأوضاع من خلالها، وأن يصدر عن هذه الاجتماعات ما يُسهم في تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط. ويوم الجمعة قبل الماضية، ظهرت بوادرُ تهدئةٍ من جانب الولايات المتحدة، وذلك عندما أعلن مسؤولون في (البنتاغون) عدم وجود خطة لمواجهة إيران، أو لنشر قوات على نطاق كبير في الخليج، حسبما نقلته مجلة ( تايم) الأمريكية. كما أعلن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) خلال لقائه الرئيس السويسري الأسبوع قبل الماضي، أنه « يأمل ألاّ تتجه بلاده إلى حرب مع إيران». ولا نعلم ماهية هذه التصريحات « المُهدّئة»، هل هي لجسّ نبض إيران، أم إنها إبرٌ مُخدرة، كي تطمئنَّ إيران، ومن ثمَّ تفاجئها أمريكا بضربة تحت « الجفن»!؟ وإذا ما ظهرت « صقور» جديدة في سماء الخليج، واستنجدت بـ «الصقر الأمريكي»، فإن ذلك مضيعة للوقت والمال، وهدم لجميع مكتسبات دول مجلس التعاون بالذات، وهي التي أقرب إلى النيران التي ستندلع في المنطقة، بعيدًا عن طهران وواشنطن!؟ من غير الحكمة وضعُ العربة أمام الحصان! خصوصًا إن كان الحصان يحتاج إلى «رصاصة الرحمة»!؟ [email protected]