18 سبتمبر 2025

تسجيل

الحداثة أيام زمان

29 مايو 2019

حينما وضع بعض أهل الريان صنادق «أكشاك» ووضعوا أمامها طاولات وكراسي للعب الكيرم والدامة والورقة «الزنجفة» وتناول الشاي أو المرطبات وسماع الأغاني عن طريق ميكروفونات مثبتة فلجأنا إليها كشباب، خاصة في عطلة الصيف الطويلة المملة، مما أغاظ حفيظة «الشيبان»، واعتبروا ذلك خطراً على مستقبل أبنائهم، فتنادوا محذرين ومتوعدين الأبناء بألا يذهبوا ولا يجلسوا في هذه الأماكن، وأتذكر أنه في تلك الأثناء لأول مرة أستمع إلى كوكب الشرق السيدة أم كلثوم وهي تشدو بأغنية «أمل حياتي»، أما التهديد الخطير الثاني فكان افتتاح نادي الريان، وكلمة «نادي» لها مدلول سيء لدى «شيبان الريان وقطر عموما»، وعانى المؤسسون للنادي من صعوبات وترحيل وشكوى بين الحين والآخر من الجيران وإعدام أي كرة تتعدى حدود النادي داخل بيوت الجيران، ناهيك عن تحدٍ سابق كانوا يواجهونه بحزم وهو وجود قهاوي الهنود وتكاثرها حتى أصبحت «الكيمة» و»السبجي» وهي أكلات هندية من الأطباق المفضلة لدينا، وكان خوف الشيبان على أولادهم من سوء الخلق عند الجلوس فيها وصحبة السفهاء و»السرابيت» من الناس، حيث كان النمط السائد تناول الأكل داخل البيت أو عند صديق أو قريب وليس في الشارع مما يعرض شخصية الإنسان للاهتزاز في نظر الآخرين، في مثل هذه الجغرافيا المغلقة نشأنا، وقد كان المد القومي على أشده ولربما شكل هو كذلك لفتيان في أعمارنا تاريخاً مغلقاً إلا أنه استطاع أن يمس قلوب الكبار قبل الصغار، فتحولت الحياة إلى موقف حتى وإن كانت صعبة أو قاسية طالما عصب الكرامة والعزة والأنفة لم يُمس. بدأ التحديث انطلاقاً من المجال العام حيث الأكشاك والصنادق التي يجتمع فيها الشباب يمارسون ألعاباً كالتي ذكرتها، وبعد ذلك افتتاح النادي وتزايد جماهيره والتحام الريانيين القديم والجديد في هدف رياضي وهو الفوز ورفع اسم الريان عالياً، كان المسجد قبل ذلك هو المجال العام الوحيد الذي كنا نلتقي فيه، لذلك دخول القهاوي والصنادق وأخيرا النادي جاء كل هذا منافساً للمسجد في نظر كبار السن إذا ستسرق الأبناء من الصلاة، ولم يهدأ لهم بال حتى لمسوا أن بعض أعضاء النادي كانوا يأتون الى المسجد ثم يعودون إلى النادي فاختفى رويداً رويداً ما في أذهانهم من تناقض، إلا أن كلمة «نادي» في حد ذاتها لم تكن ذات وقع حسن على مسامعهم، كما كان بالمثل وقع كلمة «القهوة» أي المقهى أيضاً لما يمثلاه من تمرد على البيت والمجلس، رحم الله ذلك الجيل الصادق مع نفسه ومع الآخرين. [email protected]