14 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عقد مركز صندوق النقد الدولي للاقتصاد والتمويل في الشرق الأوسط والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت الأسبوع الماضي حلقة نقاشية حول مسار تنويع النشاط الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي. وطرح خبراء الصندوقين جملة من المقترحات التي كانت تدور حول تنويع الاقتصادات الخليجية بعيدا عن النفط.وما لفت الانتباه من جملة هذه الأطروحات هي أولا الدعوة لتغيير النموذج الاقتصادي السائد في الوقت الراهن إلى نموذج يركز على الابتكار. وثانيا اختيار تنويع النشاط الاقتصادي عن طريق قطاع الخدمات بدلا من قطاع الصناعات التحويلية، حيث إن مكاسب الإنتاجية المحتمل تحقيقها في قطاع الخدمات تفوق بكثير مكاسب الإنتاجية المحتمل تحقيقها في قطاع الصناعات التحويلية.وفي الحقيقة لا يمكن إنكار صحة وأهمية هذه الأطروحات، ولكن ما يمكن المجادلة فيه هو صعوبة اختيار خيارات التنويع الاقتصادي الواقعة في النقطة البعيدة من النقطة التي تقع عليها الاقتصادات الخليجية حاليا.فاقتصاد الابتكار هو جزء من الاقتصاد المعرفي. ولقد سبق لنا أن تناولنا في مقالات سابقة هذا الموضوع، وبحسب تقرير صادر عن جامعة إنسياد، فإن مساهمة الصناعات المعرفية في تركيبة الصادرات الخليجية لا تزال تتراوح بين 1% و2%، في حين إنها تفوق 10% في الدول المتقدمة كفلندا وتايوان وسنغافورة وهونغ كونك. وقد أظهرت دراسة "الخريطة الصناعية لدول مجلس التعاون" التي صدرت عن منظمة الخليج للاستشارات الصناعية "جويك" توجه عدّة دول خليجية لدعم الصناعات المعرفية. لكن الخريطة تتوقع جاهزية هذه الدول للانتقال للاقتصاد المعرفي بحلول العام 2020 خصوصًا إذا ما عملت على تنفيذ عدد من الإصلاحات الرئيسية في مختلف القطاعات التي يمكن أن تخلق بيئة محفزة على الابتكار والنمو وخلق الوظائف، خاصة من خلال تبني مزيج من السياسات التي تشمل تطوير اقتصاد أكثر انفتاحا وتشجيعا للعمل الحر، وإعداد أيد عاملة أكثر مهارة، وتحسين القدرة على الابتكار والبحث، وتوسيع نطاق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطبيقاتها.أما بالنسبة لاقتصادات الخدمات في دول مجلس التعاون الخليجي، فالمعضلة لا تكمن في تواضع مساهمة أنشطة الخدمات (المواصلات والاتصالات والنقل والسياحة والمطاعم والخدمات المالية والتأمين والأنشطة العقارية وخدمات الأعمال والتجارة والتخزين) والتي تتراوح نسبتها جميعا بنحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي الخليجي، بل في كونها تكاد جميعها مرتبطة باقتصاد النفط. فلكون الإيرادات النفطية هي المحرك للأنفاق الحكومي، ولكون هذا الإنفاق هو المحرك للأنشطة غير النفطية، فهذا يعني إن نمو هذه الأنشطة مرتبط بنمو اقتصاد النفط. وهنا تبرز معضلة كيفية التنويع من خلال أنشطة هي بذاتها تعتمد على المصدر الرئيسي وهو النفط.نعود للتأكيد بأن اختلاف وجهة النظر بشأن التنويع من خلال اقتصاد المعرفة واقتصادات الخدمات لا ينصب على سلامة هذين الخيارين، بل على تحديد أولويات التنويع الاقتصادي. ونحن نتفق أن النموذج الاقتصادي الراهن القائم على تكلفة العمالة الرخيصة استنفد أغراضه، بل بات له كلف اجتماعية باهظة تتمثل في عشرات الملايين من العمالة الأجنبية التي تعتبر هي المحرك الرئيسي لقوة العمل الخليجية. كما نتفق أن هناك علاقة وثيقة بين قطاع الخدمات وبين تحسين الإنتاجية لكون الصناعات التحويلية تعتمد في الأساس على العمالة الأجنبية غير الماهرة والتي تستخدم بالدرجة الأساس في الأعمال اليدوية والعضلية. وبالتالي، فإن الزيادات الكبيرة في الأيدي العاملة لا يؤدي إلى زيادة الإنتاجية بل انخفاضها بينما يختلف الحال في بعض أنشطة الخدمات وليس كلها. فقطاعات الإنشاءات والتجارة واللوجستيات والنقل والسياحة لا تزال تعتمد بصورة كبيرة على العمالة غير الماهرة، بعكس الخدمات المالية وخدمات الأعمال التي تعتمد بصورة أكبر على العمالة الماهرة. وزيادة الأنشطة المعتمدة على الأيدي الماهرة يعني زيادة فرص العمل أمام المواطنين الذين يعانون حاليا من توافر وظائف منخفضة الرواتب ولا تتلاءم مع دراساتهم الأكاديمية.أخيرا، يمكن القول إن التحرك نحو تنويع مصادر الدخل يمكن أن يبدأ من نقاط قريبة حاليا من المكان الذي تقع فيه الاقتصادات الخليجية، خاصة إن قطاع الصناعات التحويلية يمتلك مزايا كثيرة، وبالذات مشتقات الصناعات المعدنية والغاز. وقد رسمت الخارطة الصناعية لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية توافر المئات من الفرص الصناعية التي يمكن التوسع فيها خلال السنوات القادمة، بل بينت العشرات من الصناعات المستقبلية الواعدة التي تدخل ضمن الصناعات المعرفية مثل صناعة المحفزات الكيماوية. لكن هذا لا يمنع من القول إن تحديد أولويات التنويع الاقتصادي يجب أن يتزامن معه برامج تعطي الأولوية لتوطين الوظائف، وإلا لا معنى لتنويع يولد المزيد من أعداد العاطلين بين المواطنين بدلا من توفير الوظائف.