13 سبتمبر 2025
تسجيلهل نحن في حاجة لدول الحصار؟ سؤال تردد في ذهني وأنا أردد قول سمو الأمير المفدى "نحن لا نخشى مقاطعة هذه الدول لنا، فنحن بألف خير من دونها". نعم يا سمو الأمير، فالمجتمع القطري يعرف كيف يعيش حياته ويزدهر ويتطور. ولقد كانت قطر في السابق من الدول الفقيرة التي ليس لديها لا المال ولا الموارد الطبيعية المناسبة، ولكن تعايش أهلها مع البيئة المحيطة بهم، فكانت تمدهم بما يحتاجون إليه بشكل يقيم حياتهم. إن التجارب القطرية في الصراع من أجل البقاء، في فترات ما قبل النفط، أعطتهم الخبرات اللازمة لاستمرار الصمود والتصدي رغم الظروف القاهرة. إن قطر، وكما هو معروف، قد مرت بفترات مجاعة حقيقية، وربما أكثر مما تعيشها بعض الدول الأفريقية هذه الأيام، لدرجة أن الرضيع كان يموت في حضن والدته لأنه لا يجد الحليب من الضرع الذي نشف من الجوع، ومع ذلك لم يثن القطريين من العيش على هذه الأرض الطيبة. استبشر القطريون خيراً بعد اكتشاف النفط، في 1939، بمنطقة دخان. ولكن فرحتهم لم تعمر طويلاً حيث اغلق الحقل من قبل شركة النفط الإنجليزية بسبب الحرب العالمية الثانية، ولم تعاود العمل إلا في 1947. وتم تصدير أول شحنة نفط، في 1949، إلى بريطانيا. وتوالت شحنات التصدير، وتزايدت كميات النفط القطري المصدر للعالم، ومع تزايدها زادت الإيرادات النفطية، وبها زاد حجم الأموال لدى الحكومة ولدى أفراد الشعب القطري. وبزيادة الأموال لدى الحكومة والشعب القطري زاد مستوى الرفاهية والعيش الرغيد، ولكن، وللأسف الشديد، زادت عندهم الاتكالية، وأصبح لديهم مصطلح «انه بالفلوس تستطيع شراء أي شيء». وبهذا تراخت الخطط الحكومية في تحقيق تنمية داخلية حقيقية، وأصبح الاعتماد على الخارج في كل شيء. قامت الدول التي يطلق عليها مسمى «الشقيقة»، بتاريخ 5/6/2017، بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وبدء حصارها، وكان الحصار شاملاً البر والبحر والجو. وكان من المفترض، حسب ما هو مخطط له، خضوع قطر لمطالبهم في فترة لا تتعدى يومين. كان الأمر بالنسبة للقطريين صدمة كبيرة وبخاصة على المستويين النفسي والاجتماعي. لكن مع استخدام مصطلح ان «بالفلوس تستطيع شراء أي شيء»، قامت الحكومة، مشكورة، باتخاذ كافة الإجراءات الفورية لتوفير المأكل والمشرب والسلع الضرورية للشعب القطري من (مواطنين ومقيمين)، ولم يمر يوم أو بعض يوم حتى عادت الأمور، عن طريق الاستيراد، إلى مستوياتها الطبيعية. لقد كان الحصار أشبه بالصدمة لكل المجتمع القطري ولكنها كانت صدمة أخرجت أفضل ما في الشعب القطري. فعندما شعر الشعب بكل الإجراءات التي قامت بها الحكومة لتوفير احتياجاته، بدأ في تنظيم صفوفه، ووقف سداً منيعاً أمام محاولات دول الحصار في التفريق بين الشعب والقيادة. هذا التلاحم بين الشعب والقيادة لم نشاهده من قبل إلا مرة واحدة عندما وقف الشعب التركي، المؤيد والمعارض، مع أردوغان في صد محاولة الانقلاب. من هذا الموقف بدأت الحكومة تعرف خطورة الاتكال على الغير في توفير احتياجات الشعب. وبدأت الخطط الجادة لتقليص الفجوة الاستهلاكية في قطر. وفي خطاب سمو الأمير المفدى أمام مجلس الشورى لخص سموه التوجه المفروض اتباعه بقوله «وحكومتنا تعلم أن ما قلناه حول المجتمع المنتِج والاكتفاء الذاتي في الغذاء والدواء والأمن الوطني هي مهمات للتنفيذ لا تحتمل التأجيل». ولأن حكومات دول الحصار لا تريد لقطر أي خير، وحتى لا يتم اشغال الحكومة بالجبهات التي تفتحها في كل مكان ضد قطر بقصد تعطيل برامجها، فقد تم تقسيم العمل إلى قسمين: قسم يترأسه سمو الأمير المفدى، ويعاونه وزير الخارجية، وذلك للرد على الافتراءات بأن دولة قطر تدعم وتمول الإرهاب. والحمد لله نجحت قطر في هذا «فأصبحت علاقتنا مع دول العالم أفضل مقارنة بما كانت عليه قبل الأزمة». والقسم الثاني، وبتوجيهات من سمو الأمير، يترأسه معالي رئيس مجلس الوزراء، ويعاونه جميع المسئولين في الجهات الحكومية، وذلك للعمل على توفير احتياجات الشعب القطري وتقليص الفجوة الاستهلاكية. ولأول مرة، والحمد لله، بدأنا نشعر أن الحكومة تعمل صح، وأنها تعمل فوق طاقتها للخروج من الأزمة مرفوعة الرأس. ووثق مجتمع الأعمال في قطر بهذه التوجهات الإيجابية فقام بالمسارعة في طرح المبادرات التي من شأنها كسر الحصار على قطر، وتحقيق جزء إن لم يكن كل الحاجات الاستهلاكية محلياً. واستناداً لما قاله سمو الأمير المفدى إننا «تعودنا على الصراحة بين القيادة والشعب، كما في الأسرة الواحدة». فإنني أقول، وغالبية الشعب يردد معي، نرجو يا سمو أميرنا المفدى أن تستمر المقاطعة لدول الحصار إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. إن الحصار، ومهما طالت مدته، سوف ينتهي، ومع نهايته نرجو ألا تعود المياه إلى مجاريها مع مثل تلك الدول التي نسفت كل القيم الدينية والمجتمعية في سبيل تحقيق حلم خبيث كان يحلم به الظبياني ومستشاره الصهيوني وهو القضاء على السعودية، وقيادة منطقة الخليج العربي. صحيح ان قطر خسرت في البداية مبالغ مالية، ولكن هذه الخسارة المادية، وإن كانت كبيرة، فهي «قد أخرجت أفضل ما في هذا الشعب من (مواطنين ومقيمين) من الكفاءات وروح التحدي والاعتماد على النفس، وأسهم في بلورة هويتنا الوطنية وعزز تلاحم الشعب والقيادة، وفتح باباً واسعاً من الفرص الاستثمارية أمام القطاع الخاص الذي بدأ بإقامة المشاريع الإنتاجية وتوسيع المشاريع القائمة وبإقامة علاقات تجارية مع العديد من الأسواق الخارجية». والحمد لله ان لدينا اقتصادا متينا وقويا، فعندما خرج المقاولون الأساسيون، بأمر من حكوماتهم، من مشاريع كأس العالم 2022 تم استبدالهم، في خلال مدة يسيرة، بشركات مقاولات محلية وعالمية، ووجدنا أن العمل على تلك المنشآت أصبح سريعاً جداً، وبتكلفة أقل مما قد تم رصده لكل مشروع. أما على صعيد الاحتياجات الاستهلاكية فقد نشط القطاع الخاص بكل طاقته لبناء اقتصاد يقلص ارتباط الأسواق القطرية بالأسواق الخارجية ويبعدها عن الحاجة لمنتجات دول الحصار. ودول الحصار اعتقدت أنه بإغلاق المنفذ البري الوحيد فإن هذا سيترتب عليه نقص البضائع المستوردة وزيادة تكلفتها، ولكن، والحمد لله، خاب ظنهم ومسعاهم. فلقد كانت قطر، قبل الحصار، تعتمد على ميناء بحري واحد، ولكن، في مدة بسيطة، تم العمل من خلال خمسة موانئ بحرية (حمد والدوحة ومسيعيد وحالول والرويس)، مع ثلاثة موانئ احتياط (الوكرة واللؤلؤة والوسيل). وبهذه الموانئ وبمطار حمد الدولي استطاعت قطر إنشاء طرق تجارية بديلة ومباشرة مع عدد من المناطق الاستراتيجية في جميع أنحاء العالم. هذا فقط جزء يسير جداً من المكتسبات التي أتت من الحصار. إننا نرجوا يا سمو الأمير المفدى، بعدم عودة العلاقات مع دول الحصار تنبع من التخوف بان تهبط همة الحكومة والأفراد والشركات في تبني المشروعات المبتكرة، وترجع أسواقنا، مرة أخرى، للاعتماد على أسواق دول الحصار في تلبية احتياجاتها، مما سيؤثر عكسياً على المشروعات القائمة، ويحتمل أن يقضي عليها، ويقتل الطموح في إنشاء المشروعات الجديدة. وفي الختام نقول إن قطر قد تعرضت لحصار جائر أهدرت خلال ممارسته كل القيم والأعراف المعمول بها. ولكن والحمد لله فإن إجراءات دول الحصار أثرت بشكل إيجابي على اقتصاد دولة قطر. وفي نفس الوقت، وبحسب تقارير المؤسسات الاقتصادية الدولية، فإن الحصار أثر سلباً على دول الحصار نفسها، وبجولة سريعة في الانترنت سوف يتضح للباحث مدى الدمار الاجتماعي والاقتصادي الذي تكبدته دول الحصار بسبب خطواتهم المتهورة ضد قطر وأهل قطر. إنه من المهم ابقاء المقاطعة على دول الحصار، حتى ولو رفع الحصار عن قطر، ففي هذا خير وبركة لضمان المحافظة على الاقتصاد القطري، والنمو المستدام الذي نشهده هذه الأيام. ويكفي من مكاسب الحصار الحقيقية اصطفاف الشعب خلف قيادته دفاعاً عن مكتسبات واستقرار بلاده. وبالمختصر: ما نريدهم.. وما نريد أي شيء يكون منبعه منهم. والله من وراء القصد،