12 سبتمبر 2025

تسجيل

عالم ما بعد ترامب!

29 أبريل 2016

أحوال عربية تحدد تجربة الانتخابات الأمريكية الحالية، مستقبل الديمقراطية الأمريكية، بقدر ما تثير التساؤلات حول طبيعة تأثيرها العالمي. ويمكن القول بأن التجربة الجارية، ستكون حالة كاشفة للمجتمع والنخب الأمريكية، وأن الولايات المتحدة ستشهد حدوث تغييرات ضخمة بعد هذه الانتخابات على صعيد المفاهيم والنخب والمجتمع والسياسات الخارجية -إلى درجة سقوط كل الدعايات الأمريكية الرسمية بحماية الحريات وحقوق الإنسان في العالم- وأن الولايات المتحدة قد تكون على مرمى حجر من التحول إلى دولة تنشر التعصب والعنصرية والفاشية وتدافع علنا عن اضطهاد الأقليات، بما يحدث تغييرا هائلا في صورة الولايات المتحدة في الخارج، إلى درجة إنتاج أهم التغييرات في صور ومشاهد الوضع الدولي في التاريخ المعاصر..إلخ.لقد سبق أن مكنت هذه الديمقراطية، رجلا أسود من أصول إسلامية من الوصول إلى البيت الأبيض عبر تصويت أغلبية الناخبين له ولهذا التغيير الذي كان أمرا مستبعدا وممنوعا من قبل. وفي ذلك قدمت هذه الديمقراطية نموذجا عاما مهما لتطورها وقدرتها على إحداث التغيير الإيجابي، بل هي تفوقت على نظيرتها الأوروبية التي لم تستطع إنتاج مثل هذا التحول. وإذ كشفت تجربة انتخاب باراك أوباما عن بقايا أفكار عنصرية مترسخة داخل قطاعات من المجتمع الأمريكي، فقد نظر للانتخابات على أنها آلية تغيير وتطوير. غير أن الأمر في الانتخابات الراهنة يبدو تراجعيا إلى درجة التحول الكامل للضد، إذ تكشف دورة انتخاب الرئيس المرشح لكلا الحزبين، مدى انقسام المجتمع الأمريكي ومدى تنامي الصراع في داخله على أسس قد تحدث تغييرا هو الأخطر منذ نشأة الولايات المتحدة وحتى الآن. ففي جانب الجمهوريين يبدو أمر ترامب وظاهرته عنوانا لتغلغل تلك الحالة العنصرية على نطاق واسع داخل النخب النشطه، وفي الحزب الديمقراطي تبدو فكرة الذهاب نحو ترشيح امرأة لتصبح الرئيسة الأولى للولايات المتحدة نمطا نقيضا من التفكير. فإن جرت الانتخابات بينهما فنحن أمام مشهد انتخابي يجرى صراعه حول القيم والأفكار المتناقضة إلى درجة التأثير على عقول الناخبين ومفاهيمهم، لا على مصالحهم فقط.وإذا فاز ترامب بمنصب رئاسة الولايات المتحدة، فنحن أمام تحول الحزب الجمهوري الأمريكي من وضعية الحزب اليميني إلى حالة الفاشي، وأمام تغييرات في صورة الولايات المتحدة ودورها الخارجي، بل في نمط حضارتها ومستقبلها، وقد نصبح أمام أمريكا مارقة ودولة للشر، وستصبح أمريكا في وضعية الدولة الخارجة على القانون والقيم الإنسانية وعلى مواثيق وقرارات الأمم المتحدة، بل في وضعية الدولة المهددة لكل ما أنجزته البشرية. نحن أمام احتمالات حدوث تغيير حاسم في توجهات السياسة الخارجية، تتخطى تحول أمريكا من دولة تدعى مساندة الحريات وحقوق الإنسان في العالم، إلى وضعية الدولة المصدرة للأفكار الفاشية والعنصرية إلى مختلف أنحاء العالم، وإلى دولة عدوانية تشن الحرب للسيطرة على ثروات البلاد الأخرى، بما يغير المشهد الدولي كليا.