11 سبتمبر 2025
تسجيللعل من أهم الأهداف التي تسعى البنوك المركزية حول العالم سواءً كانت متقدمة أو نامية لتحقيقها هي التحكم في معدلات التضخم السائدة بدولها ومحاولة خفضها بقدر الإمكان، مستخدمة في ذلك كافة الأدوات المتاحة سواءً كان ذلك من خلال التحكم في منح الائتمان أو الاحتياطي النقدي أو سعر الفائدة أو تطبيق برامج التيسير الكمي وشراء الأصول أو غير ذلك من الأدوات سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية. إلا أن خفض معدلات التضخم بنسب أكبر من المستهدف في الدول المتقدمة بمنطقة اليورو والولايات المتحدة قد أثار بها وبحكوماتها الكثير من القلق والتخوفات.مما دعا مديرة صندوق النقد الدولي السيدة كريستين لاجارد إلى التحذير من خطورة الانخفاض الكبير بمعدلات التضخم على اقتصادات الدول المتقدمة التي سوف تؤدى إلى إضعاف الانتعاش البطيء والهش بهذه الدول في ظل انخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي في عام 2013 إلى نحو 3% فقط بالإضافة إلى مخاطر تداعيات الانخفاض التدريجي لبرنامج التيسير الكمي الأمريكي على الأسواق الناشئة، وكذا التوترات السياسية في أوكرانيا، وحثت مديرة الصندوق مسئولي البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على اتباع سياسات نقدية ومالية أكثر يسرا لضمان حدوث ارتفاع بالأسعار وبالتالي بمعدلات التضخم.ولقد أظهر معدل التضخم في منطقة اليورو تباطؤاً كبيراً، حيث بلغ في نهاية مارس الماضي نحو 0.5% وهو يعد المعدل الأقل منذ عام 2009 بعد بلوغه 1.4% في العام الماضي و 2.29% في عام 2012 .... وأكد صندوق النقد الدولي على أن دول منطقة اليورو التي تتمتع بضخامة مديونياتها سوف تواجه مهمة صعبة للغاية في خفض ديونها السيادية واستعادة قدراتها التنافسية وخفض معدلات البطالة المرتفعة بين أبنائها وفي صفوف شبابها، وذلك في ظل انخفاض معدلات التضخم كثيراً عن المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي الأوروبي والمقدر بنحو 2%.وأعرب نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي "فيتور كونستانسيو" أثناء تقديمه لتقرير البنك عن عام 2013 أمام لجنة الشئون الاقتصادية بالبرلمان الأوروبي عن قلق البنك من خطورة الآثار السلبية المحتملة والناجمة عن الانخفاض الكبير لمعدل التضخم على العديد من الشركات والهيئات العامة والخاصة التي تتصف بارتفاع المديونية .. وأكد نائب رئيس البنك عن استعداده للتدخل بشكل سريع وباستخدام كافة الوسائل والإجراءات والأدوات الكفيلة بالتصدي لمخاطر انخفاض التضخم وخاصة مع استمرار أمده بما في ذلك تبني سياسات نقدية توسعية وتنفيذ برنامج متكامل لشراء الديون الأوروبية "إذا دعت الحاجة لذلك".ويرجع الانخفاض في معدلات التضخم بشكل كبير إلى عدة أسباب متنوعة وفى مقدمتها مخاوف الانكماش التي تعانيها دول منطقة اليورو وارتفاع معدلات البطالة وزيادة أعداد العاطلين الذين بلغوا أكثر من 20 مليون شخص في نهاية عام 2013، وكذا انخفاض أسعار الطاقة والغذاء وتراجع الضغوط على أسعار السلع الصينية وزيادة المخزون من إمدادات الطاقة وخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية بفضل الاكتشافات الحديثة من النفط والغاز الصخري.إلا أن السبب الرئيسي في خفض معدلات التضخم من وجهة نظر الكثير من الخبراء والمحللين الاقتصاديين والماليين إنما يعود إلى عدم قيام البنوك الخاصة بدورها الأساسي في خلق النقود والائتمان بالصورة المرجوة والذي أدى إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي لدول الاتحاد الأوروبي بنحو 0.4%، وإن كان الانتعاش الاقتصادي الأوروبي قد تواصل بشكل تدريجي خلال النصف الثاني من عام 2013 مما أدى إلى خفض معدلات القلق والتوتر بالأسواق المالية.لذا فقد حثت مديرة صندوق النقد الدولي المسئولين بالبنك المركزي الأوروبي على تيسير السياسات النقدية من خلال إجراءات غير تقليدية والمساهمة في شراء ديون الدول الأوروبية الأكثر تعثراً، كما حثت كذلك مسئولي البنك المركزي الياباني "صاحب أكبر ثالث اقتصاد على مستوى العالم" على الاستمرار في برنامج التيسير الكمي وشراء الأصول وضخ المزيد من الأموال في شرايين الاقتصاد المحلي.ويرى عدد من الخبراء أن المستفيد الأكبر من انخفاض معدل التضخم هم الموظفون والعمال الذين ستتحسن دخولهم الحقيقية وقدرتهم على شراء نسب أكبر من السلع والخدمات كنتيجة مباشرة لانخفاض الأسعار على الرغم من عدم زيادة دخولهم النقدية. فيما ستنخفض معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي للعديد من دول منطقة اليورو، حيث يتوقع الخبراء بلوغ نمو الناتج المحلي لكل من إيطاليا واسبانيا بنحو 2.5% مقارنة بنحو 7.5% خلال الفترة "1990- 2008" في الوقت الذي يزيد فيه عائد السندات بهاتين الدولتين عن معدلات النمو بهما بما يزيد من تكلفة اقتراضهما، مما دعا ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي حكومات الدول الأوروبية إلى مواصلة الإصلاحات المالية والاقتصادية وتنفيذ مجموعة من الإصلاحات الهيكلية بالقطاع المصرفي هي بهدف ضمان رفع معدل التضخم وإنعاش الاقتصاد وزيادة معدلات النمو.