19 سبتمبر 2025

تسجيل

حتى لا ينافق عباس

29 أبريل 2014

بين ذرف الإسرائيليين دموعهم على ذكريات التاريخ المؤلم لليهود جراء ما يسمونها المحرقة "الهولوكوست" وقرع الكؤوس احتفاء بالانتصارات المتتالية من قبل جيش مدجج بأحدث الأسلحة وبترسانة من القرارات والاتفاقيات الأمريكية والغربية الداعمة للحكم الصهيوني ضد العرب في فلسطين، خرج وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ليحذر من أن تتحول إسرائيل إلى دولة تمييز عنصري إذا لم يطبق حل الدولتين، وكان الأولى التنديد بالمحرقة الإسرائيلية السياسية والعسكرية ضد الفلسطينيين ولكن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم يقل ذلك بل أصبح متهما بالنفاق أمام الإسرائيليين، فتصريحاته التي أطلقها مجاملة بمناسبة احتفالات أعدائه جعلته موضع سخرية مجددا، لقد قال عباس أن "المحرقة" هي أبشع جريمة عرفها التاريخ الحديث، فهذا البكاء جاء بعد أسبوع من قراره الجريء بالجلوس إلى طاولة المصالحة مع حركة حماس الشريك الحقيقي في القضية الفلسطينية، بعدما يئس من المسرحية الساخرة الفاشلة وعنوانها طاولة المفاوضات مع إسرائيل، ولكن الإسرائيليون جميعهم انتفضوا عليه فجأة ومن كل التيارات السياسية الإسرائيلية من أقصى اليمين حتى آخر يساري. عباس يريد أن يترك الباب الخلفي مفتوحا لقلوب من لا يحبونه في تل أبيب ولكن سياسة الاستعطاف لا تفيده مع أصحاب أبشع الجرائم في تاريخ العرب، وإذا ما تناسى من باب الاستحباب السياسي، فإن الفلسطينيين لم ولن ينسوا أنهم ضحايا للمحرقة الإسرائيلية التي يعيد حكامها تمثيل "الهولوكوست"على شعبهم الأعزل ابتداء من مذبحة دير ياسين، حتى مذبحة غزة الشهيرة رغم أنف بن غوريون. كل يوم مضى تقوم إسرائيل بمذبحة سياسية ضد الشعب الفلسطيني، وكان يساندها للأسف وبكل غباء أو عمالة فلسطينيون وعرب كثر، فقد حاصرتهم لقمع أي حلم بقيام دولة فلسطينية تحفظ لهم الحقوق السياسية والأمن المجتمعي والتحرر من نير التبعية للعواصم العربية التي تستخدمهم كمرتزقة لتحسين شروط بقاء الأنظمة، فيما المواطن الفلسطيني على الأراضي الفلسطينية ليس سوى مجرد رقم مقلق لدى دوائر الأمن الإسرائيلي، فهو دائما في نظرهم مجرد قنبلة موقوتة قد ينفجر في أي مكان تسيطر عليه القوة الإسرائيلية، في الوقت الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني من الافتقار لأبسط حقوق البشر على أرضه، فكل ما يحلم به يجب أن يمر عبر مؤسسة تفسير الأحلام الإسرائيلية، وهو محاصر من جميع الاتجاهات.بعدما قرر عباس أن يتصالح مع حماس وقيام وفد السلطة الفلسطينية بزيارة تاريخية إلى قطاع غزة، واستقالة الحمد لله تمهيدا للانتخابات، على عباس أن يثبت أنه لا ينافق ولن يتراجع عن موقفه من المصالحة الداخلية للبيت الفلسطيني، وأن يكون من الشجاعة بمكان يمكنه من تحدي التهديد الإسرائيلي الذي انفجر فجأة منذ الإعلان عن نية المصالحة، وما أعقبه من إجراءات عقابية مالية وسياسية، فعباس كمن يحاول إغلاق فوهة البركان بيديه، والإسرائيليون قرروا عزله كشريك في المفاوضات وأعلنوا على سلطته العقاب الاقتصادي، وهبت أمهم الحنون الإدارة الأمريكية بتوبيخ له، وتحذيره من مغبة إدخال حماس في حكومة جديدة.عباس يعرف تماما ومنذ سنوات بعيدة أن الإسرائيليين لا يبحثون عن شريك في عملية السلام أقوى منهم أو بقوتهم، أو يمتلك الجرأة ليقول لا للقرار الإسرائيلي، ولذلك فهو كان يناور على مدى سنوات، ويراهن على تغيير الحكومات الإسرائيلية والضغط الأميركي بناء على موافقات شفاهية منه على الإطار العام، ولكن على محك الاعترافات استيقظ عباس فجأة هلعا من يهودية الدولة، ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين، فهو لا يريد أن يسجل عليه بعد هذا العمر،أنه قبل بما لم يقبل به سلفه ياسر عرفات ورغم الاعتراف بإسرائيل كدولة على الأراضي التي اغتصبتها أصلا، لم يمنع من أن تكون نهاية عرفات حصار بالدبابات وقتل محترف بالسم.الإسرائيليون اتحدوا أخيرا جميعهم، اليسار قبل اليمين المتطرف ضد الإدارة الفلسطينية وعلى رأسها عباس، وكالوا إليه التهم والانتقادات لأنه قرر الذهاب إلى حماس، ولذلك على الفلسطينيين أن يفهموا أن خلاصهم يبدأ بوحدتهم واتحادهم ومواجهة إسرائيل بعناد رغم ما سيجلب ذلك من عقوبات اقتصادية، وعلى الدول العربية التي طالما أشبعتنا خطابات عن دعم القضية الفلسطينية أن تقوم فورا بتقديم الدعم المالي والسياسي للجبهة الفلسطينية الجديدة، وإجابة طلب الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي لدفع مبلغ 100 مليون دولار لشبكة الآمان الفلسطينية، وهذا مبلغ زهيد أمام كل ذلك البذخ والتبذير العسكري الذي تنفقه الدول العربية لشراء أسلحة لا تستعمل أبدا. إن انطلاقة مستقبل جديد للفلسطينيين تكون مع تشكيل حكومة مؤتلفة تشارك فيها حماس صاحبة الحكومة الأصلية عقب انتخابات حرة انقلب عليها عباس بدعم أمريكي إسرائيلي عربي لغايات خيبت آمال عباس أخيرا، فهل سيفهمها الفلسطينيون ولا يخضعون للابتزاز مجددا.