13 سبتمبر 2025
تسجيللاشك أن للإصلاح دورا بارزا في تأصيل طرق الفضيلة وحماية الأخلاق، غير أن الفارق بين المفهوم والتطبيق يخلق في بعض الأحيان فجوة بين انسيابية وسلامة تمرير المفهوم من جهة، والممارسة على أرض الواقع من جهة أخرى، إذ إن بعض الممارسات لا تعكس سلامة التوجه مما يؤثر سلباً ليس في أداء المهام بل قد يؤدي إلى تمرير تصور مغاير وهذا بلا ريب لا يخدم المصلحة العليا، طبيعة الجهود الإصلاحية تحتم الاحتكاك المباشر مع الناس على اختلاف أفكارهم وأعمارهم، ويفرض الاحتكاك بهذا الصدد توعية الناس وحمايتهم ومساندتهم وبلوغ المستوى المأمول لذا فإن هذا الأمر يتطلب قدراً كبيراً من المرونة والقدرة على التعامل مع مختلف الأطياف في حين أن المواءمة بين الاستيعاب والتطبيق تطغي عليها في بعض الأحيان منغصات تؤثر على مسار التطبيق لاسيَّما إذا كان الإفراط في الحماس معياراً للإقناع وهو على النقيض من ذلك، وبالتالي فإن الشرخ الناجم عن هذا الأمر لا يلبث أن يقدم صورة مبتورة للمفهوم وهكذا يتم حصر الجهد في نطاق ضيق ولا يتجاوز تطبيق الإجراءات دون النظر إلى الهدف الأسمى وهو نتائج الإجراءات والتي تنحو إلى التصويب والإصلاح وتقويم السلوكيات، أي أن الخلل ليس في الهدف بقدر ما هو بالوسيلة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مسألة التصويب والإسهام في إصلاح المجتمعات يتطلب كذلك مهارات كمهارة الاتصال وإدراك لمستوى النفسيات والتعامل معها وفقاً لتباين المستويات سواء من ناحية العمر أو الجنس أو الديانة، إن خير من يتصدى لهذه المسائل الحساسة في تقديري خريجو كليات علم النفس والاجتماع والتربية وغيرها من الكليات المتخصصة حيث إن الفائدة ستشمل الجميع في هذه الناحية وستسهم إيجاباً في رفع مستوى الأداء وتحقيق مستوى كبير من الانسجام، وتعزيزاً لتمرير المهارات المكتسبة من جهة في الوقت الذي سيفسح الطريق المجال لاحتواء المخالف وتوجيهه ونصحه بطرق علمية حضارية من جهة أخرى، إن إصلاح الاعوجاج وترميم الانحراف السلوكي لا يؤتي أكله ما لم تتم الإحاطة بالجزئيات والدوافع التي تؤدي إلى التوجه نحو هذا السلوك أو ذاك، فالمخالف من حيث المبدأ سيقبل النصح ويمضي ولن يلبث أن يعاود الكرة طالما أن القناعة لم يصلها مستوى التأثير ولم تحاكِ الإحساس بجدوى العزوف عن هذه المخالفة أو تلك، وليست العبرة في رصد المخالفات بل بالحد منها وإقلاع الأفراد عنها بقناعة محضة، وهذا بدوره يحيلنا إلى إشكالية تمرير القبول أو بالأحرى جدية التقبل مضموناً لا شكلاً قناعة لا خوفاً فهو أي المخالف حينما يتقبل النصح شكلاً فإنه ما إن يصبح في مأمن حتى يساوره نفس الشعور، ومسألة التمكن من ملامسة الجانب المعنوي تتطلب كما أسلفت مهارة فاعلة وحرفية يواكبها الرفق واللين والسماحة، إن التكامل المنهجي في هذا الإطار سيؤسس للبيئة الحاضنة والملائمة في سياق المعالجات وفق أسس موضوعية لا تقف عند ردع المخالف فحسب، بل تتجذر لتصل إلى العمق والإجابة على لماذا؟ وكيف؟ فلكل شيء سبب وهذه طبيعة الخلق، فإذا عولجت الأسباب أو بالأحرى تم رصد وتحديد الدوافع بدقة، فإن مؤشر المخالفات سينخفض طبقاً لدرء التفكير في المخالفة ووأدها في مهدها، وهنا تكمن حرفية تمرير البرامج الإصلاحية، الخبرة في الميدان وقراءة الواقع بدقة وتجرد شأن لا يستهان به، وعلى هذا فإن مزج الخبرة بالمعرفة العلمية، سيسهم في تذليل الصعاب ويسير بالجهود نحو الإصلاح الاجتماعي بآفاق أوسع وتطلع يرنو إلى معالجة الأسباب وليست النتائج في حين أن التكامل بهذا الإطار يجب أن يحظى بالاعتبار ودراسة القضايا عن كثب والمساهمة كذلك بشكل فاعل في معالجة أوضاع المخالفين فيما إذا كانت الأسباب نفسية المنشأ وهي في الغالب كذلك، فضلاً عن ذلك فإن التنوع الثقافي والذي تحتضنه بلادنا يوجب كذلك مراعاة الفوارق وإتقان بعض اللغات الأجنبية، لاسيَّما الإنجليزية في التخاطب مع بعض الفئات، فلم يعد الوضع محصوراً في فئة معينة كما هو في السابق فالتوسع والنهضة الاقتصادية التي تعيشها البلاد تفرض استقدام الخبرات المهنية والعلمية المختلفة من مختلف دول العالم.