11 سبتمبر 2025

تسجيل

أُخـوة الشيـاطيـن

29 مارس 2023

رمى له برغيف فالتقطها الطفل الذي برزت عظامه وشحب لونه وهو سعيد بهذا (الغذاء المتكامل ) وغمسه في ماء لا يبدو نظيفا وأكل وهو يشعر بأنه قد ملك الدنيا وما عليها ! لربما قد مر عليكم هذا المشهد المؤثر ورأيتم تلك الابتسامة العريضة لهذا الطفل الذي كان الأحرى بالعالم أن يضمن له حياة وطفولة أجمل بكثير مما نراه في ملايين الأطفال حول العالم ممن أنهكهم الجوع وقتلهم بالمعنى الأصح في بعض الدول النامية والعربية أيضا من صفوف اللاجئين في سوريا والنازحين من أهل اليمن حتى في الداخل اليمني أيضا ومن لاجئي فلسطين في المخيمات التي لا تحميهم لا من صقيع وثلوج الشتاء ولا من حر وشمس الصيف ناهيكم عن افتقارهم جميعا لقوت يومهم كما نشاهد بأسى عبر التقارير الإخبارية والزيارات الميدانية للجمعيات والمؤسسات الخيرية للأسف الشديد ولذا لعلكم تسألون لم بدأت مقالي بهذه الصورة التي تبدو بلا شك مأساوية وغير مفرحة بل وغير مبشرة أيضا ؟! لأننا في الشهر الكريم نمارس أكبر جريمة في حق هؤلاء وقد تسألوني كيف ونحن نبعد عنهم عشرات الآلاف من الكيلومترات ولم نقترب منهم ولم نحتك معهم لنرتكب تلك الجريمة التي تتكلمين عنها ! ولكني سوف أختصر لكم الإجابة في بعض الكلمات والجمل ذلك أننا حينما نمارس جريمة ( التبذير ) في الطعام والشراب لا سيما في هذا الشهر الكريم حينما نلقي بفائض الطعام إلى القمامة بينما هناك على الجانب الآخر من دول فقيرة مسلمة وغير مسلمة تبحث في قماماتها لعلها تجد ما يشبع البطون الخاوية لأبنائها وحينما نرتكب جريمة ( الإسراف ) في الشراب والكماليات وحتى في الأساسيات فنحن بهذا نرتكب تلك الجريمة بحقهم دون أن نشعر لأن هذا الفائض الذي لو جُمع على موائدهم لأشبع عشرات العوائل بأبنائها فأين نحن من هذه المسؤولية التي تقع على عاتقنا أولا في الشعور بمصائب هؤلاء المنكوبين الذين يتمنون اللقمة وبهذا لا نبذر ولا نسرف ؟! أين نحن من الأمر الإلهي في قوله تعالى ( ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ) ؟! فمن منا يريد أن يكون أخا للشيطان ونحن نرمي ببقايا الأكل الصالح للأكل مرة أخرى أو حتى في تحضير الطعام لأكثر من الحاجة له ؟! لعلكم شاهدتم تلك المشاهد الغريبة لمجموعة من العاملات في أحد البيوت الخليجية وهن متعجبات من كمية الطعام المهدور في أرض المطبخ وتفتح إحداهن قدور الطعام التي لم تُمس ولم تؤخذ منها لقمة واحدة ويتساءلن فيما بينهن أين يمكن أن يحتفظن بكل هذا الفائض أو حتى كيف يلقين به وهو الذي لم يؤكل منه أي شيء ؟! فهل هذا الاستقبال الذي يليق بهذا الشهر الكريم أم أننا بتنا أسرى لآفة التصوير والمباهاة في كثرة الطعام والفائض منه وكأننا بهذا في سباق فيما بيننا على من يمتلك الكثير والفائض منه ونتناسى بأن النعمة تزول بقلة الشكر وعدم الحفاظ عليها وتزيد بالحمد والحفاظ على هذه النعمة التي يفتقر لها ملايين غيرنا فاللهم لا تؤاخذنا على ما فعله السفهاء منا فنحن الأحوج اليوم لرحمة الله لا غضبه وبأن تبقى النعم ولا تزول فهل من معتبر بعد هذا كله؟ أتمنى والله أن يكون بيننا اليوم من يجد حاجته فقط ولا يزيد عنها فيكون أخا من أخوة الشياطين !