11 سبتمبر 2025
تسجيلدعوني أعيد رواية القصة: كان الضفدع يسكن المستنقع لسنوات، مستمتعا بمائه وتناسب درجة حرارته مع حرارة جسم الضفدع، ولكن نظرا للبركان الذي تفجر قرب البحيرة واشتعال النيران ارتفعت درجة حرارة البحيرة شيئا فشيئا، ولكن الضفدع لم يلق بالا لتغير درجة حرارة الماء، لقد كان مستمتعا بالدفء، وهو يمني نفسه بالمزيد من القوت قبل أن تبدأ المياه بالغليان، ولكن السيد ضفدع نسي أن عضلات أرجله سترتخي إن تجاوزت الحرارة حدها، وفجأة حدثت المفاجأة، فحرارة الماء ارتفعت بسرعة ولم يعد جلد الضفدع يتحمل التنفس، فقرر أن يقفز من الماء لينجو بنفسه، ولكن للأسف لم تستطع أرجله مساعدته، فارتفاع الحرارة خدرّه، وياللخسارة مات الضفدع في بحيرته الساخنة.بالمقاربة، حال بعض الأنظمة الحاكمة يشبه كثيرا حال الضفدع المسكين أو الأبله، أو الانتهازي، فهي لم تكن في يوم من الأيام تظن أن الماء الذي تستمتع بالسباحة فيه سيغرقها، وعندما حاولت متأخرة القفز إلى الشاطئ كان الوقت قد فات، لقد كان الرئيس الليبي معمر القذافي يسبح في بحر من السلطة ليس له شاطئ ولا حدود فكرية أو أخلاق سياسية واضحة، فقد أدار عبر العالم عمليات مالية ضخمة لدعم حركات انفصالية وتأجيج صراعات، وبث الفتن عبر شريط بلده الحدودي، وشن حربا مجنونة مع تشاد، جرّ فيها قوات عين جالوت الفلسطينية الموالية له، ودعم القتال في دارفور، وموّل عمليات تفجير لطائرات، ثم بعد سخنت المياه، أعلن عام 2003 عن تخليه لأسلحة دمار شامل كان يملكها، ثم فجأة انفجر البركان، وهرب الزعيم وهو ينادي: أنتم أبنائي.وإن كان القذافي قد مات برصاصة من مجهول بين الجماهير الغاضبة وهي تجرجره، فإن العقلاء السياسيين في ليبيا قد فقدوا عقلهم بعده، فاختلفوا واختصموا وتقاتلوا، ولم تفلح الحكومات الورقية التي تشكلت بسعيها لإعادة بناء الدولة، حتى وصلهم تنظيم داعش المرعب، ليحتل بسهولة أجزاء من ليبيا، ومنها مناطق ساحلية تستنشق الهواء العليل القادم عبر الأبيض المتوسط من أوروبا، فأين هي الحكومة البريطانية والفرنسية، وأين السيد ديفيد كاميرون الذي لا يزال على رأس السلطة الإنجليزية من تعهداته عام 2011 بإنقاذ الشعب الليبي من شرّ القذافي، وأين خليفة السيد ساركوزي الذي هندسّ الحرب في ليبيا، أين هم من خطرّ تنظيم داعش الذي بدأ بغزو بلاد المغرب العربي، بعد أن ضرب أطنابه في الشرق السوري وجزيرة الفرات العراقية.عندما يبكي المسؤولون الأوروبيون بعد مشاهد التفجيرات الأخيرة التي وقعت في العاصمة البلجيكية بروكسل، وتتتصاعد الإتمهمات ما بين العواصم الأوروبية وأنقرة، وكل ينأى بنفسه عن مسؤولية السماح لأولئك المجانين الذين فجرّوا أنفسهم بحرية الحركة والسفر عبر المطارات البلجيكية والهولندية والفرنسية والتركية، ليذهبوا إلى سوريا والعراق في نزهة الموت، ثم يعودون وقد يأسوا من الحياة، معبأين بفكر جديد عن الحياة بعد الموت، فتلك بالضبط هي مأساة الضفدع الذي أدرك متأخرا أن الحياة في المستنقع لها شروطها القاسية أيضا، ليس أقلها مراقبة درجة حرارة المحيط الذي يعيش فيه المسؤولون والقادة في كل مكان، فالشباب المليء بالعنفوان لم يعد التنبؤ بخطره إذا تم تهميشه وإفقارهوإن كان الضفدع الليبي واحدا من الأغبياء، فإن الضفدع الرئيس في سوريا هو أكثر ذكاء، فهو قام بإحراق الغابة كلها لإجبار الجميع على المشاركة في البحث عن حلّ لإنقاذه وإنقاذ أنفسهم، ومهما بحث الجميع عن حل في سوريا، فلا يمكن على الإطلاق وضع تصور لنهاية موسم تلك الأسراب السوداء من الطيور المهاجرة التي باتت تشكل خطرا كارثيا على السلام العالمي، فتنظيم داعش لا يهتم إطلاقا بتحسين صورته كمنظمة ثورية، بل هو مهتم اليوم بمواسم الهجرة العكسية لأفراده المعبأين بالكراهية والفكر القتالي نحو الشمال الأوروبي، وإن تم تقسيم سوريا أو بقيت قطعة واحدة، فإن تركيا لن تكون بمنأى عن الاكتواء بنار الإرهاب، كما هي أوروبا التي شاركت بالصمت مع الولايات المتحدة على ما يجري في سوريا من دمار وقتل للمدنيين.ما حدث في بروكسل آلمنا جميعا، فتلك البلاد الوادعة باتت مكلومة، ولكن لم يتذكر أحد وممن يتشدقون عبر المقابلات التلفزيونية، ما يقع في بلادنا العربية من ويلات سببها قادة وأنظمة طالما رعوا أشخاصا ومليشيات إرهابية، ليستخدموها في الوقت المناسب، ثم هاهم يحترقون بسعير ما كانوا يصموت عليه ويدعمونه، فتنظيم داعش كان زعيمه أبو مصعب الزرقاوي يعيش ويتعالج في العراق زمن صدام حسين، ورغم احتلال العراق، فقد عميت أبصارهم وبعثوا بمجانينهم إلى عمان لا طهران قبل عقد من السنين وقتلوا ستين مسلما كانوا يحتفون بزفاف ابنهم، ومع هذا لا يزال الكثير من الضفادع في المستنقع مستمتعون.