18 سبتمبر 2025

تسجيل

لِم قمة الدوحة.. ثورية؟

29 مارس 2013

في أحد أيام مظاهرات جامعة القاهرة في سبعينيات القرن الماضي تعلمت درسا لا أنساه. كان هناك من يهتف ويحمله أحد أصدقائه، فتقدم أحد المتظاهرين وكان شديد الحماس في المظاهرة- إلى درجة مفتعلة لم يدركها صغر سن من كان يهتف - تقدم وكان قوي البنية ليحمل المسكين الذي يهتف بدلا من صديقه الذي يعرفه ويخاف عليه ويحميه، وظل هذا المتطوع الغريب متحملا طول مدة المظاهرة التي دارت طويلا في جامعة القاهرة لحشد الطلاب والخروج بهم من بوابة الجامعة. عند الخروج حدث تردد من البعض في الخروج، فكان من يحمل صديقنا المسكين في أشد المواقف حماسا في الهتاف والإشارات الحماسية دون أن يفرط في مهمته بحمل من يهتف فوق أكتافه، وهو ما زاد صديقنا المحمول على الأكتاف ثقة وحماسة، فكان طيعا ولا مباليا، وما أن خرجت المظاهرة من باب الجامعة وصارت في مواجهة الشرطة، حتى أحكم قوي البنية هذا قبضته على ساقي أخينا واندفع به مسرعا ليدخله وسط قوات الشرطة التي تلقت الهدية. الدرس هو ألا نحكم على هذا الحماس الذي يبدو هنا أو هناك من الظاهر والشكل مهما كانت الشعارات. هذا الأمر يذكرني الآن بتلك الأحاديث التي تنطلق من نظام الأسد وبعض داعميه من إيرانيي الهوى والمصالح، وتتحدث رافضة لقرارات قمة قطر بمنح المعارضة السورية مقعد سوريا في الجامعة ومنددة بقرار القمة مناشدة الدول العربية مساندة الشعب السوري بالسلاح للدفاع عن نفسه. هؤلاء يرفعون شعارات عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ويتحدثون حاشدون فكرة الوطنية السورية – في مواجهة الأمة العربية-وهم يستهدفون استمرار الأزمة وتفاقم أعمال القتل حتى بحور البحور من الدماء ومنع الشعب السوري من الحصول على عوامل القوة لهزيمة النظام فلا يكون هناك أمامه إلا التدخل العسكري الأجنبي الأطلسي. تحت شعارات الوطنية والتشديد على التمسك بها يريدون فتح الباب للتدخل الخارجي والقصف بأعتى الأسلحة. قمة العرب وفق نسخة الدوحة تقفز بالموقف العربي خطوة كبيرة في طريق قدرة العرب على مواجهة ما يجري على الأرض العربية. قمة الدوحة أعطت مقعد سوريا للمعارضة وفتحت المجال لكل دولة عربية أن تقدم الدعم للمعارضة السورية لإنهاء سفك الدماء، عبر إسقاط مشروعية حكم قاتل وفتح الباب لتطوير أداء الجيش السوري الحر لحسم المعركة ووقف نزيف دماء الشعب السوري والبدء في خطوات بناء سوريا ديمقراطية مستقلة قادرة على تحقيق مطالب شعبها في الديمقراطية والتحرر ومواجهة قضايا سوريا المعلقة منذ حرب أكتوبر 73 وحتى الآن. هناك من يريد لأمتنا أن تظل بلا قدرة وأن تظل تتسول تدخل الخارج. تحت شعارات تستخدم الفكرة الوطنية السورية ترفض تلك الأبواق قرار منح المعارضة مقعد سوريا في الجامعة –وهو إعطاء شرعية التمثيل لشعب حرم منها بالعنف لسنوات طوال-وترفض تقديم العون لأبطال سوريا باعتباره تدخلا عربيا في الشؤون الداخلية لسوريا وهم من يرحبون بالتدخل الإيراني والروسي. يحاولون إفقاد أمتنا قدرتها على معالجة مشكلاتها برفع شعارات وطنية!! قمة الدوحة تعبر بحق عن ثورة في قدرة وجرأة الموقف العربي. قمة الدوحة تبدأ حالة عربية جديدة في قدرة الأمة على مواجهة مشكلاتها بيديها لا بيد الآخرين. ومن يرفعون شعارات رفض الدور والموقف العربي واعتبار الدور العربي دورا تدخليا لا يفعلون إلا ما فعله المخبر العبقري الذي رفع أعلى الشعارات الثورية وأخذ أخانا المسكين ليسلمه إلى الشرطة التي طارت فرحا وذهبت به إلى حيث سجن.