10 سبتمبر 2025
تسجيلتنعقد أعمال القمة العربية في بغداد هذا الأسبوع، وستبدأ أعمالها الرسمية اليوم، للاحتفاء بعودة العراق كقائد إقليمي بعد عقود من العزلة التي كانت مفروضة عليه، وعدم الاستقرار الذي ظل يعاني منه. وتستضيف بغداد القمة العربية للمرة الأولى بعد 22 عاما حينما انعقدت آخر قمة عربية بها في 1990. وبالطبع فإن هذه القمة تعتبر بمثابة فرصة غانمة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للتأكيد على سيادة هوية العراق وانتمائه العربي. ومما لاشك فيه فقد تغير الكثير منذ أن استضاف العراق القمة لأول مرة في 1978، ويأتي اجتماع العرب هذا العام في ظل أجواء الحراك السياسي وعدم الاستقرار، كان آخرها انسحاب القوات الأمريكية من أرض العراق العربي بعد عقد من الاحتلال، بالإضافة للاضطرابات الطائفية التي ما زالت نيرانها مستعرة لم تخبُ، وأيضا العديد من الانقسامات السياسية، فضلا عن المشاكل الاقتصادية الضخمة التي تواجهها البلاد.عدا عن المؤشرات اللافتة في الخارطة السياسية الجديدة في العراق من خلال منظار ثلاثي الأبعاد، حيث إن الشخصيات الثلاثة الرئيسية الذين سيحضرون القمة كممثلين للعراق هم من الأكراد، جلال طالباني - الرئيس الحالي للعراق، هوشيار زيباري - وزير الخارجية، وخير الله بابكر - وزير التجارة. وبالنسبة لبابكر وزيباري، فسيستضيفان الجلسات التحضيرية للمجلس الاقتصادي للقمة ووزراء الخارجية العرب، كل حسب منصبه، في حين يعتبر طالباني – صاحب الدار - المضيف الرئيس للقمة بصفته رئيسا للدولة. وهذه ربما تكون المرة الأولى التي يحتل فيها كردياً مقعداً كرئيس فخري لجامعة الدول العربية.وهذا مؤشر واضح إلى أن الجماعات العرقية والدينية المختلفة أصبحت الآن تتقاسم كعكة نظام الحكم في العراق. وشتان ما بين وضع العراق السياسي الآن وهو يستضيف القمة الحالية، وبين القمة السابقة التي استضافها في عام 1990، حينما كان يتربع على سدة الحكم الراحل صدام حسين، قبل أشهر من غزوه للكويت.وينعقد مؤتمر القمة في أعقاب الاضطرابات السياسية التي عمت كافة أنحاء الشرق الأوسط من خلال انتفاضات الربيع العربي. وستقوم كل من تونس ومصر وليبيا واليمن بإرسال ممثلين جدد إلى قمة بغداد بعد سقوط الأنظمة السابقة التي كانت تدير شؤون البلاد، وستكون هذه فرصة جيدة للتعرف على شخصيات قيادية جديدة وعلى مواقف بلادهم حول مختلف القضايا التي تؤثر على العالم العربي الجديد. بعدما تغيرت – جزئيا – خارطته السياسية.وفي ذات الوقت، فإن سوريا التي تعيش حاليا (ربيعا) من نوع آخر خاص بها، يصطلي فيه شعبها المنتفض بهجير الفقر والجوع ونار القتل والقمع والتشريد، لن يتمكن وفد حكومة الجمهورية العربية السورية من حضور أعمال القمة، نتيجة لتعليق عضويتها العام الماضي وذلك بسبب العنف اللاإنساني للنظام وانتهاكات حقوق الإنسان، وعليه، فسيكون مقعد سوريا في القمة خاليا. ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فخلال قمة الجامعة العربية 1990 في بغداد، لم يحضر الرئيس السوري السابق حافظ الأسد القمة بسبب علاقته المتوترة وقتها مع الرئيس الراحل صدام حسين. وفي هذا العام، نرى الشبل من ذاك الأسد يكرر ذات المشهد بترك مكان الوفد السوري فارغا.إنني لا أؤمن بالتشاؤم، ولكن من الملاحظ أنه في القمتين اللتين استضافتهما العراق في السابق، دائما ما كانت تحدث أزمة ما في العالم العربي. فخلال قمة 1978، تم طرد مصر من الجامعة بعد توقيع الرئيس الراحل أنور السادات على معاهدة (كامب ديفيد) مع رئيس الوزراء الإسرائيلي (مناحيم بيغن). ثم في مؤتمر القمة 1990، شهدت بداية الخلافات بين العراق ودولة الكويت والإمارات العربية المتحدة بشأن إنتاج وتصدير النفط، أعقبها الغزو العراقي للكويت، كما تنامت آنذاك أزمة سياسية بين سوريا والعراق. وهذا العام، فإن مؤتمر القمة ينعقد في أعقاب ثورات الربيع العربي وتداعياتها.ومع هذه القمة التي تنعقد في خضم وضع مضطرب في العالم العربي، فإننا قطعا لسنا متفائلين كثيرا بنتائج القمة، باعتبار أن هذا الاجتماع لن يخلص إلى شيء سوى اتساع الهوة بين الدول العربية بعضها البعض، فالعرب أصلا منقسمون - حول قضية سوريا على أقل تقدير - وكأن قمة بغداد ستردد مقولة "إن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا". أضف إلى ذلك أن القمة تنعقد على أرض العراق التي تهزها التوترات الطائفية بين الشيعة والسنة والأكراد، وكل هذه المواقف المتباينة لا شك أنها ستساهم في ازدياد شقة الخلافات بين مختلف الدول العربية وستعزز الاختلافات في مواقفها.وقد أمر الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر بمنع كافة التظاهرات ومظاهر الاحتجاجات خلال فترة انعقاد القمة العربية، والتي كان يأمر بها أتباعه حتى وقت قريب، كتلك الاحتجاجات المناهضة لكل من مملكة البحرين والعربية السعودية، وذلك من أجل إظهار نوع من حسن الضيافة العراقية ومنعا لإحراج قادتهم.وهنا وجب لنا أن نتساءل: كيف للحكومة العراقية الحالية، أن تقود أعمال القمة العربية لمدة عام كامل وهي تعاني من كل تلك التناقضات السيادية والسياسية والعرقية أو الإثنية؟ هل يعطي من لا يملك لمن لا يستحق؟ والسؤال الملح الذي يفرض نفسه كيف لحكومة المالكي غير القادرة على تحقيق التناغم الاجتماعي بين فئات المجتمع العراقي المتباينة، أن تتمكن حتى من مجرد تحريك مغزل نسيج الوحدة العربية المنشودة؟ وكيف لحكومة دولة انسحبت منها للتو قوات الاحتلال الأمريكية تاركة خلفها سلطة احتلال سياسية طائفية تتولاها إيران، أن تكون قادرة على المناداة بشعارات الحرية والعزة والكرامة والقومية العربية والعمل العربي المشترك، والذي على رأس أولوياته الوحدة واستعادة القدس؟أطلعنا الإعلام على أن القمة العربية ببغداد ستكون سريعة وخاطفة، حيث لن يغمض جفن لضيوف القمة وبالأخص على مستوى القادة العرب المشاركين، وبعيدا عن السخرية، فإن أول ما يتبادر للذهن عند قراءتنا لكلمات على شاكلة "سريعة وخاطفة" في إطار الحديث عن قمة عربية، فإنه يجب التحذير من مخاطر القمم السريعة، أو أيا كان مسماها، على صحة البدن العربي.وما زال الوقت مبكرا للحكم على المقررات النهائية للقمة، ولكن يظل يلازمنا الشك فيما إذا كانت القمة الحالية في بغداد ستخرج علينا بإجراء أو حل مباشر يكون على قدر الاهتمام الكبير الذي يوليه الشعب العربي لهذه القمة، لمواجهة التحديات الكبيرة الماثلة أمام العالم العربي حاليا ومستقبلاً.إن سفينة الوطن العربي تتأرجح حاليا على أمواج محيط غير هادئ من التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتحتاج بالتالي إلى ربانٍ عربي، وقائد يكون قادرا على تحديد اتجاه الهوية العربية وتقديم حلول لمتغيرات الخارطة السياسية القادمة لسفينة الوطن العربي، حتى تستطيع أن تبحر بسلام دون أن تعصف بها الأمواج.وأخيراً:قال الشاعر العراقي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد في قصيدة (يا صبر أيوب مرة أخرى)الله يا وطني.. خمسـون موجعةوأنت تنـزف، والأعـراب ما سألـوالم يتركوا لكَ حتى في الردى أملاًوأين.. من أين يأتي مثـلك الأمـلُ؟