23 سبتمبر 2025
تسجيلتشرفت بأن أكون مقدم احتفالية انطلاق مؤتمر النشء وتعاطي المواد المركبة، الذي يقيمه مركز التأهيل الاجتماعي (العوين) وقبل أن ألتقي بالمسؤولين في هذا المركز للاتفاق حول آلية تقديم هذا الحفل، لم أكن أملك في جعبتي إلا قطرة من بحر كبير وغزير عن الادمان على هذه المواد، وكانت خلفيتي الثقافية حول هذا الموضوع لا تتعدى معرفتي ببعض ما سمعته منذ سنوات ظانا في الوقت ذاته أن هذه الظاهرة قد اندثرت منذ زمن بعيد، خاصة مع الانفتاح الكبير الذي تشهده قطر وعلى شتى الأصعدة، إلا أنني قد كنت مخطئا تماما، حيث إنها في تزايد وبأشكال مختلفة. حضر هذا المؤتمر الكثير من الأساتذة والدكاترة من كل دول الخليج وبعض الدول العربية، وكان برعاية سعادة الشيخة حصة بنت حمد بن خليفة رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأسرة - المؤسس المفوض، وشمل المؤتمر عدة جلسات وأطروحات للخبراء في هذا المجال، ومن جميع النواحي لدرجة أن الكثير ممن حضروا علقوا وقالوا نحن مدمنون ولا ندري، لأن الأطروحات قد كشفت كافة أشكال الادمان، من مواد مركبة إلى الهواتف الذكية والانترنت وغيرها، ولم يتركوا شاردة أو واردة إلا وتحدثوا عنها. وبالرغم من أنهم قد طرحوا كل ما يتعلق بالادمان فقد تناسوا موضوعا مهما جدا أصبح منتشرا بشكل كبير في دولتنا الغالية وهو (الكرك)، وهذا ما ذكرتهم به أثناء تقديمي لحفل الافتتاح، حيث إن البعض، خاصة من هم من خارج قطر قد استغربوا ولم يستوعبوا ذلك وقمت بشرح الظاهرة باختصار شديد، أدركوا خلالها فعلا أن هناك مشكلة في (الكرك) أصبحت إدمانا. وعادة الإدمان هو التعود على شيء وممارسته باستمرار حتى يصل إلى عدم الاستطاعة عن التخلي عن هذا الشيء، وهذا ما يحدث فعلا مع موضوع (الكرك)، بحيث وصل الأمر إلى أن البعض يترك عمله للذهاب لشرب (الكرك) والعودة مجددا، كما أن الازدحام الشديد من قبل الجنسين شباب وبنات هو ما جعل الأمر يبدو كظاهرة منتشرة، بحيث كان في السابق مقتصرا على الشباب فقط، أما الآن أصبحت البنت تحضر قبل الشاب إلى هذا المكان وذاك. (والكرك) لغير الناطقين باللهجة هو عبارة عن شاي بالحليب يقوم بتحضيره شخص من الجنسية الآسيوية، ولا أعرف مضار أو فوائد (الكرك) إلا أن الاقبال عليه بهذا الشكل الكبير يجعل من الجميع في حالة تفكير دائمة عن ما هيته ومخرجاته في مجتمعنا، حتى أصبحنا نخاف أن يصبح ضمن الموروث المحلي. بل أصبح في الآونة الأخيرة يتعاطاه الزائرون إلى قطر، ظنا منهم أن هذا جزء من موروثاتنا الشعبية، وأن له ارتباطا تاريخيا بنا، كحال (القهوة) مثلا، ولذا انتشرت محلات بيع (الكرك) في الدولة بشكل كبير مسببة تجمعات الشباب في كل منطقة، وهذه المحلات تعتمد فقط في مدخولها على بيع (الكرك)، بل إن البعض لا يكتفي بكوب واحد فقط، فيحضر معه (دلة) لملئها (بالكرك) وأخذها معه إلى منزله أو مقر عمله، ولم يعد الوضع محصورا على محلات بيع (الكرك) فقد انتشر الأمر في المؤسسات والهيئات والوزارات الحكومية والقطاع الخاص، وأصبح (الـ تي بوي) يتفنن في صناعة الكرك للموظفين، بل إن حب الموظفين لهذا العامل البسيط يعتمد على إجادته لصنع (الكرك) المميز، حتى على مستوى المجالس أصبح أيضا موجودا بجانب (دلال) القهوة. يبقى (الكرك) من وجهة نظري حالة إدمان، ومن يستطيع التحكم بها بحيث يقنن عملية (تعاطي الكرك) بين فترات متباعدة فلن يدخل في حالة إدمان أبدا، وإن أمكنه التخلص منها فهذا أفضل بكثير.