15 سبتمبر 2025
تسجيلهناك مقولة أجنبية تقول: (إن الكتاب يعطيك المعلومة، لكن الحياة تعطيك الفهم). وفي هذه المقولة الكثير من الحقيقة إن لم تكن الحقيقة نفسها، لأننا كثيرا ما نقرأ عن أمور نتعلمها وترسخ في أذهاننا، إلا أن دورة الحياة وتجاربها هي من تجعلنا نفهمها حق الفهم، مثلما قرأت يوما في أحد الكتب بأن الحب ليس كلمات تقال، وإنما هو ترجمة وأفعال. فنحن نكبر ونكبر، ومهما كبرنا نظل نهفو إلى مشاعر الحب السحرية، وكلماته التي تمدنا بالطاقة والحياة، نشتاق لكلمات الحب التي ننتعش بها، ونحزن كثيرا عندما نفتقد هذه الكلمات ممن نحب، وكثيرا ما يتهم البعض الطرف الآخر بالجفاف وشح كلمة الحب، فقد قالت لي إحداهن بألم:( لقد أصبحت أتسول من زوجي كلمة حب). ومما لا شك فيه أن هناك الكثير من الناس الذين لا يجيدون صياغة كلمات الحب، مما يجعل الطرف الآخر يتذمر على حياته وسعادته. أما الخطأ الذي نقع فيه أحيانا، أننا نعتقد أن كل عمق الحب يكمن في كلمات تقال، أو هدية تقدم، بينما نجهلها أهي من القلب حقيقة؟ وهل تعبر عن مشاعر صادقة؟ أم أنها كلمات تقال فقط، وإن من لا يسمعنا كلمة حب هو في الواقع لا يحبنا. ورغم اننا لا نستطيع أحيانا أن نقدم تنازلنا عن تلك الكلمة، إلا أن الحياة والواقع الذي نعيشه علمنا أن التعبير عن الحب ما هو إلا أفعال وسلوكيات يشعرها الطرف الآخر، ويؤمن بأنها وثيقة حب حقيقي رائع بلا كلام، فكلمات الحب ومرادفاته والتعبير عنه شفويا هي طريقة سهلة قد يجيدها البعض باحتراف، ولكن هل نستطيع أن نعتبر الرجل الذي يمطر شريكته بأعذب كلمات الحب وأزهاها حين تمتد يديه عليها بالضرب والإهانة، أو تعدد علاقاته بأشكال من النساء بأنه يكن لها الحب الحقيقي؟! وفي المقابل هل نستطيع أن نعتبر من تختار لشريكها كلمات الحب بعناية وتتفنن في صياغة عباراته، بينما يكون اهتمامها به وبحياتها وبيتها صفرا، فلا تضع له اعتبارا ولا تنفذ له أمرا، انها تحبه حبا من القلب؟! فهذا يعني بلا شك بأن هناك خللا في الحب إن وجد، فما زلت ممن يعتقد أن العلاقات بأنواعها قد تستمر طويلا بالاحترام وحده، لكنها تعجز أن تستمر وتصمد بوجود خلل الحب. ودائما ما أتذكر صديقة قديمة كان زوجها يغدق عليها الهدايا الثمينة، لكنها لم تكن سعيدة أبدا، لأن هداياه كلها لم تكن أبدا ترجمة صادقة للحب قياسا بمواقف الاحتياج والاحتواء والاحترام الأخرى لذلك لم تستقر حياتها معه ولم تستمر فقد كان الخلل في حبه لها كبيرا. فحواسنا في النهاية مع مجموعة المواقف لا تخطئ أبدا. فما أسهل من كلمات حب تقال، ولكن لا يمكنني أن أجمع بين حب وخيانة، أو بين حب وإهانة، لأن بينهما تنافرا تاما ولكل منهما صفته وعالمه. ولهذا وعندما تمر السنوات نفهم حق الفهم بأن الحب له ترجمة خاصة تتغلغل في شعور الطرف الآخر، فتجعله أحيانا لم يعد يريد كلمات حب جارف، بقدر ما يريد ترجمته لاحتواء وأفعال يكون تأثيرها أعمق وأبلغ في النفس من مجرد حروف متشابكة تحمل الكثير من كلمات الحب مع كثير من المشاعر الباهتة. أعتقد أننا علينا أن نغير تلك النظرة المحدودة لكلمات الحب ومرادفاته، وأن نطلبه ترجمة تلمس أعماقنا وتؤثر فيها وليس أقوالا تذهب بها أقل ريح بعيدا، فلم يعد الكلام هو كل شيء. لتسأل نفسك وتستفت قلبك بعد اليوم، هل تفضل كلام الحب، أم ترجمة الحب؟. [email protected]