14 سبتمبر 2025

تسجيل

مَنْ الأقوى على الأرض.. ومَنْ سيربح الفضاء ؟!

29 فبراير 2012

لم يجد بشار الأسد وهو يصوّت لصالح الدستور الذي بشرّ به طويلا ما يصرّح به لوسائل إعلامه الرسمية سوى القول: "نحن أقوى على الأرض.. ونريد أن نربح الأرض والفضاء" في إشارة إلى ما يسميه الهجمة الإعلامية على نظامه. من الواضح من تصريحاته أن الرجل لا يستوعب ما يدور حوله أو لا يريد أو لا يراد له أن يستوعب ذلك، وما زال كما كان القذافي من قبله يرى لآخر لحظة من حياته أنه الأقوى، بجانب قوة معارضيه الذين كان يعدّهم مجرد "جرذان"، ويصر من خلال الجموع المزيفة التي تهتف باسمه وبحياته على إثبات شعبيته، ويريد أن ترى أوروبا وأمريكا والعالم ذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه: ترى أين ظهرت قوة النظام الأسدي المزعومة ـ طيلة حكمه وحكم أبيه ـ وفي وجه من استخدمت؟، وماهي مواطن هذه القوة وما مرتكزاتها؟ وهل هي قوة حقيقية أم مزيفة؟! على المستوى البعيد كم كان الشعب يتمنى أن يرى قوة النظام ـ فعلا لا قولا ـ في وجه إسرائيل التي تحتل أرضا سورية عزيزة منذ قرابة 45 سنة ألا وهي هضبة الجولان ليعتزّ ويفاخر بها، وكم كان يتمنى أن تظهر هذه القوة الكامنة وتتفجر وتترجم إلى أفعال مزلزلة عندما كان طيران إسرائيل يخترق الأجواء السورية ـ غير مرة ـ وبخاصة عندما كان يحلّق فوق القصر الرئاسي باللاذقية، أو عندما نفذت تل أبيب عملية جوية ـ برية ضد منشآت عسكرية سورية قيل أنها بدايات لتصنيع نووي. على مستوى القريب: أين تكمن قوة نظام بشار الأسد.. هل في شرعية حكمه وانتخابه من خلال أغلبية شعبه، ومعروف أنه استلم الحكم عبر عملية توريث هي الأولى في العالم العربي على مستوى الأنظمة الرئاسية، وأجري من أجل سواد عيني استلامه كرسي والده الذي مات تعديل دستوري في ثلاث دقائق، أم في الثورة الشعبية التي مضى على انطلاقتها قرابة عام ـ وما زالت ـ دون توقف أو خوف، وتدفع من دم وعرق أبنائها الغالي والنفيس، لتقول لهذا الحكم العائلي الشمولي الفاسد كفى، من خلال مظاهرات حاشدة بلغت الأعداد التراكمية لمن شارك فيها الملايين في درعا وحماة وحمص وادلب ودير الزور وغيرها من المدن، وبعد أن حطمت أصنامه، وكسرت حاجز الخوف في مواجهته، أم أن قوة هذا النظام تكمن في مواجهة المدنيين العزل بعنف ودموية فاقت كل تصور واستخدام كل صنوف الأسلحة ضدهم. لقد تحركت دبابات الجيش السوري ومعداته الثقيلة ـ مع الأسف ـ لتملأ المدن والقرى السورية الثائرة على نظام الأسد وتقصفها بنيرانها وتهدم بيوت المدنيين والمساجد وخزانات المياه انتقاما من أهلها وتأديبا لهم، ولكنها لم تتحرك لتحرر هضبة الجولان أو فلسطين المحتلتين، أم هل قوة النظام في تزايد الانشقاقات عن جيشه، ومن تشكيلهم الجيش الحرّ، وتوجيه النار لكل من يرفض من الجنود قتل المدنيين من أبناء الشعب السوري المنتفض. لقد ظن النظام من خلال مشورة كبار جنرالاته أن بإمكان آلته العسكرية المفرطة ومجازره الوحشية القضاء على الثورة، وتحدثت أبواقه الإعلامية أن الحسم بات وشيكا، ولكن الثورة رغم قرابة عام ما تزال مستمرة دون كلل أو ملل، وفشل هذا الخيار، لأن إرادة الشعوب من إرادة الحق لا تقهر وإن تأخر سقوط الطغاة لبعض الوقت، ولأن الهجوم على المواطنين والقتل المستمر هما من عوامل الضعف وليس القوة. ثم هل قوة النظام ذاتية، أم أنها وهمية خلبية تعتمد على الخارج، ونقصد هنا إيران وروسيا اللتين تدعمانه بالمال والسلاح والخبراء، وعلى المستوى الدبلوماسي والمعنوي، ورغم كل هذا الدعم فإنه يترنح ولولاه لسقط منذ أمد طويل، ومعلوم أن هذا الدعم قديم وازداد إبان الثورة السورية، ليس لعيون النظام ولكن لأن كلا البلدين يحرص عن مصالحه في المنطقة، والتي قد لا تستمر من دونه. سيسقط المخطط الإيراني في المنطقة والممتد من طهران وحتى بيروت حال سقط الأسد، وستسقط آخر قواعد روسيا لو رحل الأسد، كما سيسقط النفوذ الإقليمي لهما، يضاف إلى ذلك رغبة إسرائيل في بقائه، لأنها تخشى من أي بديل إسلامي أو وطني، لن يلتزم بهدوء الجبهة معها، كما قام به هذا النظام في عهد الأب والابن، وقايض به. ولعل مما يزيد انخداع النظام بقوته (المزيفة) فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرارات أممية وعقوبات بحقه، بسبب الفيتو الروسي والصيني، وعزوف العرب والمجتمع الدولي عن التدخل العسكري على الطريقة الليبية، لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها، والخشية من الحرب الإقليمية بسبب التدخلات التي تسبب بها النظام نفسه، ولكن عليه أن يدرك أن المستقبل ليس له، وأنه قد يستطيع أن يطيل في عمره ولكنه لن يستطيع البقاء والاستمرار طويلا، لأسباب كثيرة لعل من أهمها: سقوط هيبة النظام، بحيث ما استهان النظام بالقتل فقط؛ بل استهان بالضحايا أيضا، وهذا عامل مهم في إسقاط الخوف، وفي الاندفاع للمواجهة، ويضاف إليه إحساس المحتجين بأنّ المستقبل لهم، وعدم إدراك أهل النظام لمعادلات تغير الزمن وملابسات الربيع العربي العابر للدول، التي ترغب باستعادة حريتها وكرامتها. وأما قوة الفضاء التي يزعم النظام أنه قد خسرها، فلعل السبب في ذلك استمراره في سياسة الكذب والدعاية والتعتيم وقلب الحقائق، فيما انتصر الفضاء الخارجي فضاء الإعلام العربي الحرّ الشريف بسبب انحيازه للحق ونقل الحقيقة للناس كما هي، والشفافية، وربما بسبب ذلك انكشف لغالبية الجمهور العربي حقيقة هذا النظام الذي كان يدعي الممانعة والمقاومة هو وكل من وقف معه، كذبا وزورا. من المؤكد أن الشعب ـ لا النظام ـ هو الأبقى والأقوى على الأرض، وهو من سيكسب الفضاء لأنه صاحب الحق.. وصاحب الحق سينتصر مهما طال الزمن.