14 سبتمبر 2025

تسجيل

المسرح .. شاهد على الأحداث

29 يناير 2015

لا شك فى أن المسرح قادر على تسجيل التاريخ كأفضل ما يكون المؤرخ .. والمقصود بالمسرح هنا النص المسرحى المكتوب كما فى مسرحيات الكاتب الإنجليزى العبقرى ويليام شكسبير كأفضل مثال .. أو أن يحول النص إلى مسرحية يؤديها الممثلون على خشبة المسرح ويشاهدها الجمهور .. ويتأثر بها .. ويستمد منها بعض المعلومات والوقائع .. أهمها ما كان مُستقى من التاريخ بطبيعة الحال . أقول هذا بمناسبة ما شاهدته على أحد مسارح الدولة فى مصر وهو مسرح " الهناجر " بالقاهرة فى أول عرض له تحت قيادة مديرته الجديدة د.أمانى يوسف التى عادت إلى مصر مؤخرا بعد عدة سنوات من الدراسة والتدريب فى الولايات المتحدة الأمريكية . المسرحية تحمل عنوان " تحيا مصر " .. وهو ما ظنه الجمهور الكبير الذى حضر العرض – وأنا منهم – عنوانا لمسرحية وطنية تحت الشعار المحبب للشعب المصرى فى الآونة الأخيرة .. ولكن إتضح لنا – نحن الجمهور- بعد ذلك أن هذا العنوان محاولة من القائمين على المسرح لجذب المشاهدين .. إلا أن مجريات الأحداث جاءت على نحو مختلف عن هذا العنوان على نحو ما سنرى لاحقا. المسرحية من تأليف الكاتب المبدع الراحل د.محسن مصيلحى وهو أحد شهداء المسرح المصرى فى حادثة حريق قصر ثقافة بنى سويف الشهيرة .. وكأنما المؤلف يصر على التواجد فى المسرح حيا أو ميتا .. وهو ما يدخل فى باب التكريم لأحد عشاق المسرح من أمثاله . تدور أحداث المسرحية فى فترة صراعات بين الحب والكراهية والإدعاءات الكاذبة .. وهى فترة إنتقال الحكم فى الخلافة الإسلامية من المماليك إلى العثمانيين والتى إتسمت بالمكائد والدموية والخيانة ممن لا يعملون لصالح الوطن أو الشعب كما أوضحنا.. وجاءت فى مجموعة من الوقائع تتشابه مع الواقع الراهن إلى حد كبير .. يكفى أن نضرب لذلك مثالا واحدا وهو عندما يُسخِّر رجل الدين المزيف أدواته ليحصل على مكاسب شخصية .. وكان ذلك فى مزيج متجانس بين الماضى والحاضر .. حاضر مصر وما شهدته من أحداث فى الأعوام الأخيرة فى رسالة واضحة بأن الولاء للوطن وليس الحاكم .. وحتى لو تغير الحاكم فيبقى إنتماء المواطن للوطن الأم .. ويقدم لنا المؤلف الرؤية الصحيحة وهى ألا يتغير مضمون هذا الولاء والإنتماء أو يتأثر بأى تغييرات تطرأ على الحكم . أما من الناحية الفنية فيمكننا أن نشير إلى الآتى : - الديكور جذاب .. جاء فى أربع قطع كانت كافية للوفاء بمتطلبات العمل . - الأزياء للدكتور محمود سامى الذى نجح فى أن يجعلنا نشعر بالفعل أننا ننتقل بين الماضى والحاضر . - الإستعراضات لمايكل فايق وهى جيدة برغم بساطتها حيث أوفت بالغرض منها بالرغم من تسارع الأحداث .. وكانت الموسيقى متوافقة مع المشاهد المختلفة .. والأشعار للدكتور مصطفى سليم كانت معبرة .. وكذلك الألحان لهشام طه كانت على المستوى المطلوب . أما عن الممثلين فإن المسرحية من بطولة مجموعة من الممثلين ممن فى طريقهم إلى الشهرة ومنهم أحمد ثابت فى دور المملوك طومان باى المحب للوطن والرافض للإستسلام أو الحصول على مكاسب من العثمانيين على حساب أهله من البسطاء .. وكانت جيهان سلامة موفقة فى دور فاطمة المشخصاتية التى ترمز إلى الوطن الأم والذى يحبه الجميع بطبيعة الحال .. بينما كان محمد نشأت فى دور الرجل البسيط توفيق والذى يتحول إلى وحش كاسر عندما تتعرض فاطمة للخطر .. ولا يخفى على فطنة القارئ أنه بذلك يرمز بدوره إلى الشعب المصرى .. والجدير بالذكر أن مخرج المسرحية عاصم نجاتى أثبت نفسه كممثل أيضا . وفى النهاية فإنه يمكننا أن نقول بإطمئنان أن العرض المسرحى " تحيا مصر " من العروض الجيدة التى وضعت الممثلين فى الصورة المناسبة وجعلت منهم خير شاهد على الأحداث .. ويجعل المتلقى يخرج من العرض سعيدا .. مستفيدا من التاريخ ومن أخطاء الماضى . وإلى موضوع جديد ومقال قادم بحول الله . بقلم : د .مصطفى عابدين شمس الدين [email protected] [email protected]