12 سبتمبر 2025
تسجيلكنت من ضمن كثير من المواطنين وبعض المقيمين الذين فكروا في احتمالات السفر لخارج البلاد أثناء مباريات كأس العالم 2022 التي أقيمت مباراتها النهائية في 18/12/22 مصاحبة لليوم الوطني للدولة والتي فازت بها الأرجنتين بتغلبها على فرنسا بالضربات الترجيحية. هذا التوجه، نتج عن التوقعات، وما انتشر في المجتمع من حكايات، بأن البطولة ستشهد مدا جماهيريا منقطع النظير - من أغلب دول العالم - سيزحف على الدوحة مما يخلق زحاما لا قبيل له، ولم تر قطر مثله من قبل، سيمتد على مساحة الوطن كله وخصوصا في الدوحة والمدن الرئيسية الأخرى كالخور والوكرة، ولن يقتصر على الملاعب والمواقع المحيطة بها، بل سيتعداه لكل شبر وزاوية، وفي الفرجان والأحياء وقد يتسبب ذلك في فوضى أمنية قد ينتج عنها اعتداءات شخصية واقتحام للمساكن والمنازل. لكن البطولة تميزت بأمن لم تشهده تقريبا البطولات التي سبقتها، وقد نظمت في دول عظمى متقدمة وحضارية، هذا التميز لم يقتصر فقط على الجانب الأمني فقط، بل تعداه ليشمل كل الجوانب الرياضية منها والمجتمعية وحتى السياسية. ولقد أشاد الجمهور، الذي حضر من جميع أنحاء العالم، بالتنظيم الرائع وسلاسة التنقل وحضور أكثر من مباراة في اليوم الواحد، وقد امتلأت الملاعب بهم ليحضروا مباريات منتخباتهم أو تلك التي يشجعونها، ولقد لمس الجميع سلاسة الدخول والخروج من الملعب من غير أي مشاكل أو تصادم بين الجماهير. لقد كان لمنع شرب الكحول في الملاعب أثره الحميد باحترام الجماهير له مما انعكس إيجابا على الأمن في الملاعب فانتشر السلام والوئام بين الجماهير داخل الملعب وخارجه، فلم تحدث أي مشاكل أو مشاكسات ومعارك كالتي حدثت في بطولات سابقة بين الجماهير بعضهم البعض أو مع مواطني البلد المضيف. هنا في قطر امتزج الجميع في مجاميع بشرية بكل المناطق التي خصصت لهم أو في الأسواق، كسوق واقف، أو حديقة البدع وممشى لوسيل. ويحضرني هنا تصريح مارك روبرتس من شرطة تشيشاير الذي صرح قائلا: "سلوك جماهير إنجلترا وويلز في قطر كان مثاليا. لم تكن هناك أي اعتقالات أو حوادث للإبلاغ عنها خلال وجود الجماهير في فترة وجود المنتخبين". إن هذا الذي أنجز تم الإعداد له على مدى سنين وأخذت جهدا داخليا وتعاونا خارجيا مع مجموعة دول شقيقة وصديقة ومنظمات دولية، على رأسها الفيفا طبعا، ولوضع هذا الإعداد والتنسيق في هيكلية عمل مناسبة أنشئت "لجنة أمن البطولة" التي ترأسها بداية سعادة اللواء عبدالعزيز عبدالله الأنصاري الذي وضع الأسس الأولى لعملها، والذي ندعو له بالشفاء العاجل مما ألم به من مرض. وقد تولى سعادة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني رئاسة اللجنة وأشرف على عملها ووضع نظام عملها بالتعاون مع الفيفا وجميع الجهات الأمنية بالدولة والقوات المسلحة وكذلك بعض الدول الشقيقة والصديقة. من الدلائل الأولى على أن البطولة رقم 22 من كأس العالم متجهة لتسجيل أفضل الأهداف وأجملها كان في استتباب الأمن العام في جميع أنحاء البلاد وبين الجماهير التي وفدت على البلاد، وتم كل ذلك في هدوء وبدون انتشار كثيف أو غير اعتيادي لرجال الأمن، لم تخرج الأوضاع عن المألوف الذي تعود عليه المجتمع. وحتى التنظيم المروري شهد انسيابية في التنقل على كل الطرق الداخلية والخارجية ولم يتعد التأخير، إن حصل، دقائق حتى مرور المواكب الرسمية، والالتزام بالقواعد المرورية والانضباط كان عاليا من الجميع. ومع ما يمثله هذا كله من أهمية، إلا أنه تبقى قضايا أخرى استشعرها الجمهور وانعكست إيجابا في ذاكرته وسينقلها معه لوطنه، فقد تجلت له درجة الأمن والأمان التي عاشها وعايشها في قطر، هذه التجربة التي تحدث عنها ذلك المراسل البرازيلي وقال: "في قطر لم نتعرض لأي سرقة أو ضرب كما يحدث لنا في البلدان الأخرى. حيث تجد هناك من يحاول ضربك او سرقة أموالك. لقد وجدنا هنا الأمن والأمان". وقد أكد سعادة العميد عبدالله بن خليفة المفتاح مدير إدارة العلاقات العامة بوزارة الداخلية، بأنه لم يكن هناك شيء يذكر خلال البطولة من جرائم أو سطو أو جرائم مقلقة للأمن. وأكد أن قطر مصنفة عالميا من أكثر الدول أمناً وفق مؤشر السلام العالمي وتعتبر الأولى على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكذلك مؤشر نامبيو لأكثر المدن أمناً. وقد شاهدنا جميعا على وسائل التواصل الاجتماعي وبلغات مختلفة لبلاغات فقدان الأشياء وعودتها لأصحابها وثقها الجمهور والصحفيون. ولا ننسى شهادات بعض الصحفيات ونساء غربيات لشعورهن بالأمان في قطر وعدم التعرض للتحرش. وفي تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بعنوان (قطر: لماذا تشعر النساء بالأمان في مونديال 2022؟) تقول مشجعة أمريكية وأخرى بريطانية حضرن لمشاهدة مباريات كأس العالم، أكدن فيها أنهن يفضلن الملاعب الخالية من الكحول ويشعرن بأمان أكثر فيها. وأوضح التقرير أنه منذ البداية، تم وصف هذه البطولة "بأنها صديقة للأسرة، وهذا واضح في المباريات حيث يمكن رؤية الآباء والأمهات الذين لديهم أطفال من جميع الأعمار بأعلام في أيديهم، وقال كثيرون إن قلة المشروبات الكحولية في الملاعب ساهمت في خلق أجواء صديقة للأطفال". نعم، ولا شك بأن منع شرب الكحوليات في الملاعب أدت لأن يستمتع الجمهور بفن لعب كرة القدم من غير تأثير سلبي خارجي على العقل والشعور الطبيعي للتشجيع والاستمتاع بفن كروي من غير تعصب وبالتالي انتفت تماما المشاحنات بين الجمهور. وقد يكون في هذا مدخل لمنع الكحول في كل البطولات وفي كل بقاع العالم ومنها بالطبع بطولات كأس العالم لكرة القدم. وليس أبلغ من الأمن والأمان في قطر من توثيق إحدى الصحفيات ذلك بتصويرها لنفسها وهي تمشي في الدوحة حوالي الساعة الثانية فجراً دون إحساسها بالخوف أو توجس من أحد. إن ما أنجز لدليل على العمل الاحترافي والمتقن والمنسق بين كل الجهات التي اشتركت في تنظيم وإدارة بطولة كأس العالم فيفا قطر 2022، وتبقى جهود اللجنة الأمنية إنجاز يرفع له القبعة على الاحترافية التي عاشها ولمسها المواطن وشعر بها هو وجمهور كأس العالم.