13 سبتمبر 2025
تسجيلعندما بدأ التعليم النظامي في قطر في العام 1952 وافتتحت أول مدرسة لاستقبال الطلبة، أستطيع أن أجزم بأنه لم يكن في البلاد حينها أي من حملة الدكتوراة، وأنا أعني هنا الوافدين طبعاً، فنحن القطريين كنا في خطواتنا الأولى نحو نهل التعليم النظامي المتعدد المناهج من أدب وعلوم بالإضافة للغة والدين اللذين كانا محور التعليم الى ما قبل النظامي، كان الحلم أن نتعلم، أما الشهادات والتخصصات لم تكن بعد يشملها الطموح أو التصور. الآن وبعد حوالي سبعين عاما فقط من بدء التعليم وهي فترة زمنية قصيرة في عمر الأوطان والشعوب، ومع تنوع الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بكل جوانبها، تزدهر قطر بالجامعات والمعاهد العامة منها والخاصة المنتشرة في أرجاء البلاد التي تقدم جميع أنواع التخصصات العلمية والإنسانية بدرجاتها العلمية المختلفة من الدبلوم للدكتوراه، بالإضافة لابتعاث الطلبة من الجنسين للدراسة في الجامعات العربية والأجنبية. لذلك، لم يعد البكالوريوس أو حتى الماجستير حلما أو هدفا يقف عنده البعض، بل تعداه ليصل إلى تحصيل و "اقتناء" الدكتوراة. فما هي شهادة الدكتوراة التي تلعب بخيال الكثير منا، وما هي مجالات الاستفادة منها، أهي لتحسين الوضع الوظيفي والترقية في العمل ام "للرزة" الاجتماعية والتباهي بها وليسبق حرف "د" الاسم كلما كتب أو ذكر!!؟؟ يتفق أغلبية الأكاديميين والباحثين على أن للدكتوراة مجالات معينة وإن خرجت عنها فهي علم إضافي في مجال معين لمكتسبها إن اكتسبها بالدراسة والبحث والطرق الشرعية. وفي الجامعات العالمية تطلق تسمية PHD وتعني "دكتوراة أو دكتورا في الفلسفة" على الشهادة أو حاملها، فكل العلوم في الماضي كان يطلق عليها "فلسفة"، وهي تمنح لمن أنجز وأنهى بحثا متقدما في مادة علمية معينة. علما بأنه في الغرب التعريف بلقب الدكتور يأتي بعد الاسم وليس قبله وليس عندهم ما يقابل حرف الدال (د) كما عندنا، فالفخر ليس بالشهادة في حد ذاتها إنما بما يستطيع أن يحققه من إنجاز علمي، أو بالمساهمة في تعليم جيل يحمل الرسالة التعليمية ويساهم في تقدم المجتمع. وفي اتصال بالدكتور خالد العلي القائم بمهام وكيل الوزارة المساعد لشؤون التعليم والتعليم العالي يقول:" الدكتوراة شهادة بحثية تخصصية تؤهل حاملها للعمل في ميدانين اثنين في الغالب، الميدان الأكاديمي والميدان البحثي التخصصي، بالإضافة لبرنامج الدكتوراة المهنية في القانون (JD)، لذلك تحرص الوزارة فيما يتعلق بدراسة الدكتوراة أن تكون في المجالات السابقة الذكر، وأن تكون الدراسة في جامعات معترف بها، ومن هذا المنطلق فقد رفعنا أسماء بعض الجامعات من اللائحة ولم نعد نقبل شهاداتها حتى لو كانت الدراسة على نفقة الدارس شخصيا". إن عدد الأكاديميين القطريين (حملة الدكتوراة) والعاملين في مجال التعليم العالي بمختلف جامعات الدولة أصبح يضاهي غيرهم من الجنسيات الأخرى. وفي مداخلة مع الدكتور أحمد العمادي عميد كلية التربية السابق عن ذلك فيقول:" تعتبر جامعة قطر الحاضن الأول للأكاديميين والباحثين القطريين في التخصصات المختلفة ومع تعدد مراكز البحث في الجامعة استقطبت الجامعة مجموعة بارزة من المواطنين حاملي شهادة الدكتوراة، ومع فتح الجامعة المجال فيها للباحثين في المجالات العلمية والأدبية زاد استقطاب الجامعة لهم للعمل في المجال البحثي والأكاديمي". هذه معطيات تؤكد بأن هذه الشهادة العليا فتحت باب العمل والوظيفة لكثير من الأشخاص الذين رأوا بأن الدكتوراة تمنحهم الفرصة للعمل في المجال الذي يرغبون به وخصوصا في التعليم والتدريس العالي. ويبقى أن نتساءل هل أخذ المجال البحثي حقه الذي يترقبه المجتمع من حاملي الشهادات العليا وخصوصا في مجتمع كالمجتمع القطري الذي يتطور سريعا وفي كل المجالات وهو يخطط لتبني الاقتصاد المعرفي؟؟ اتجهت بهذا السؤال للفاضلة الدكتورة عائشة العبيدلي، مدير تنمية القدرات البحثية في الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي التابع لمجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار فتذكر:"إن من مهام الصندوق هو تمويل البحوث العلمية والذي بدأ مهامه في العام 2006 وكذلك ابتعاث الطلبة للدراسات العليا، وهم نخبة، للدراسة في أرقى الجامعات المحلية منها والعالمية هذا البرنامج الذي أسس في 2009، وحتى اللحظة تم تخريج 125 باحثا قطريا من خلاله وفي مجالات علمية مختلفة كباحثين وإداريين للبحوث، وهذه النخبة، تم اختيارها بعناية فائقة، ومن ثم تم ابتعاثهم لأفضل الجامعات، مثل ستانفورد وهارفرد و MIT، وهي تعمل حاليا في الجامعات المحلية وجامعات المدينة التعليمية ومراكز البحوث في الدولة. وإلى ذلك هناك أعداد من الباحثين تقريبا يصل ل 400 باحث وأكاديمي يمولهم الصندوق والأغلبية منهم في جامعة قطر ومن ثم في جامعة حمد بن خليفة ومراكز البحوث التابعة لمؤسسة حمد الطبية وكذلك مستشفى ومركز بحوث سدرة. وهناك باحثون آخرون في مراكز بحوث خاصة". ليست كل مركزية ناجحة أو تخدم المجتمع، ولكن الواضح فيما يتعلق بموضوعنا، فإن المركزية فيما يتعلق بالدراسات العليا ومن يبتعث لها وأين يبتعث ضرورية في الوقت الحاضر وعلى مدى عشر سنوات قادمة في الحد الأدنى. فالواضح هنا أن الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي التابع لمجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار قد حقق ولازال يحقق نتائج عظيمة من ناحية نوعية الباحث والجامعات والمراكز العالمية المبتعث لها. إذن هناك أكثر من جهة تعمل على أن ترقى بالمجتمع لمصاف المجتمعات المتقدمة في مجال العلم والعلوم والبحوث العلمية والاجتماعية التي تخدم المواطن والوطن لترقى به لمصاف الدول المتقدمة بالعلوم والبحوث، وتأتي وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي التي ترعى التعليم في جميع مراحله ومنها الدراسات الجامعية بكل مراحلها. وفي إحصائية بخصوص دراسة الدكتوراة ودارسيها، أفادنا بها الأستاذ جابر الجابر مدير إدارة معادلة الشهادات الدراسية الجامعية بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، للفترة من 2018 حتى ديسمبر 2022 وتخص القطريين تضمنت: 1-عدد حاملي درجة الدكتوراة والدكتوراة التنفيذية 167 شهادة 2-عدد الذين تم رفض معادلة شهاداتهم 9 طلبات. 3-تختلف الشهادات التي تمت معادلتها بين البحثي والأكاديمي والتنفيذي المهني. 4-تختلف أسباب الرفض حسب الحالة ومنها: -عدم الحصول على الموافقة المسبقة من وزارة التربية والتعليم قبل الدراسة. -الدراسة بمؤسسات غير مدرجة في قوائم الوزارة. -عدم اعتماد مقررات الدراسة من قبل جهات الاعتماد الأكاديمي بالدولة مقر الدراسة. -عدم كفاية المدة للحصول على الدرجة الأكاديمية. -ضعف وتدني المستوى الأكاديمي للمؤسسة التعليمية التي حصل منها الدارس على الدرجة الأكاديمية. من هذه الإحصائية يتبين أن عدد الراغبين في استكمال الدراسات العليا كبير، طبعا مقارنة بعدد المواطنين وفرص العمل المتوافرة في الجامعات ومراكز البحوث، ولا يخفى بأن عدد الذين تم رفض معادلة شهاداتهم، لن يتمكنوا من استخدامها رسميا في العمل أو الترقي، لكن تبقى بالنسبة لهم على المستوى الشخصي حرف (د) مما قد يستخدم بالتعريف بذاتهم. وهؤلاء لا يهمون المجتمع كثيرا، كأولئك الذين اعتمدت شهاداتهم، وقد عملوا أو لازالوا يعملون في مجالات مختلفة وجهات مختلفة واختزلوا علمهم الذي اكتسبوه فقط في شهادة علقت على الجدران أو زينت حروفها بطاقات التعريف أو صفحات السوشيال ميديا. لهم نقول، إنه علمكم وهو نتيجة جهدكم لا جدال في ذلك فمن حقكم أن تتعاملوا بعلمكم كما شئتم. ولكن الذكرى أيضا تنفع المؤمنين، فنحن نتعلم لننفع أنفسنا وكذلك مجتمعنا الذي نهدف لترقيته وأن يتطور ليصل لمصاف الدول الراقية بتكاتف مواطنيها لتأكيد روح التعاون والتكافل بين جميع مكوناته. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو (علم يُنتفع به)، أو ولد صالح يدعوا له". ولنتذكر جميعا بأن "قطر تستحق (وأضيف تستاهل) الأفضل". فلا نبخل بأن يكون علمنا محصورا في ذواتنا، لنتشارك به وننفع به وطننا وأمتنا فننال أجر الدنيا والآخرة.