14 سبتمبر 2025

تسجيل

دروسٌ من مونديال قطر (1) الحالمون The Dreamers

28 ديسمبر 2022

الإِنجازات العظيمة بدأت بحلم، فالحلمُ ليس سوى التَّوقُ، والشَّغف لصنع إنجاز، يتوافقُ مع نفسٍ عَلِيَّةِ الهمَّةِ، وثَّابةِ العزم، وما لم يكن هنالك من حلم فلن يكونَ إنجاز؛ لأنَّ الحلمُ هو الخيال في أجلى نصوعه، والخيالُ كما يقول إنشتاين أقوى من المعرفة، ذلك لأنه هو صانعُ المعرفة، ومحفِّزُ الشُّعور، وباعثِ الهِمم. ولا يحسَبنَّ أحداً أن الحلم هو حُلم المنامِ فذلك للخاملين العاجزين الذين يهربونَ من الواقعِ، ويجدون في لذَّة الأحلامِ في المنامِ ملاذاً لأنفسهم، وإِشباعاً لآمالهم، وإنَّما هو حُلم الطامحين، السَّاعين إلى المجد، تقول الكاتبة الأمريكية أنايس نين:"نجاحك يعتمد على أحلامك؛ ليست الأحلام التي تراها في نومك وإنما التي في اليقظة". وبعد حلمٍ عظيمٍ لدولة قطر بإِقامةِ أعظم تظاهرةٍ رياضيَّةٍ في التاريخ الحديث، تحقَّق الإِنجاز الذي قابلهُ كثيرونَ وهو في بداياته بتهكم واستخفاف، وآمنتْ به قطر عميقاً، وصدَّقت حلمها، لأنها كانت تُدركُ ما معنى أن يكون لها حلم، وما معنى أن تُنجزَ هذا الحلم في يومٍ من الأَيام، ولهذا تضمَّنت أُغنية الحالمون The Dreamers هذا الإيمان بالحلم في كلماتها القائلة "نحن من جعل ذلك يحدث لأننا نؤمن به، أنظر من نحن؛ نحن الحالمون، نحن من جعل ذلك يحدث لأننا نستطيع أن نبصره، إليكم الشخص الذي يحافظ على الشغف، له كل الاحترام". ليس من قيمةٍ للحلمِ إن لم يؤمنُ به حالمه، الأَمر الذي تحقَّق مع قطر، لقد بدأَ الأمرُ بحلمٍ قبل سنين، وهو حلمٌ مشروعٌ لها كما كان مشروعاً لغيرها، وما كانَ لإِنجازٍ أن يتحقَّق دون بذرة حلم تُغرسُ في فضاءِ الخيال، فتنبت شجرةً تتفرَّعُ فيها الآمال حتى يصبح ذلك الخيالُ هو الشَّغل الشاغل، ثم يتحوَّل إلى طاقةٍ دافعةٍ تحرِّك القوى إلى تنفيذِ ذلك الخيالُ على أرضيَّةِ الواقع. هكذا بدأت قطر بحلمها العظيم الذي لم يكن أحدٌ ليحلم به غيرها، فالقضيَّةُ ليس أن تملكَ الدولةُ موارد مالية تعينها على تحقيقِ حلمها، ولكن قبل ذلك أن تملكَ حلماً عظيماً تتهيأُ له أسبابُ التحقُّق في الواقع. السَّاعون وحدهم للمجدِ يحلمون أحلاماً عظيمةً لا توقفها التحديات، ولا تعوقها المعضلات، لأن الأحلام إن سَكنت في عقول أصحاب الإِرادات ملأتهم شغفاً، وحماسةً، وتوثُّباً لتحقيقها، وهكذا أثبتت قَطر لكلِّ إنسانٍ ولكل دولةٍ: أن الحلم هو بذرةُ الإِنجاز، وأن واقعنا اليوم ما هو إلا أحلام الأَمس التي تحوَّلت إلى أفكار ثم قادتها الأفكارُ إلى إنجازات ماثلة للعيان. حلمت قطر أن تستضيف تظاهرةً عظيمةً، وهي مُدركةٌ قدرَ هذا الحلم، وما تكتنفهُ من تحدِّياتٍ كبيرةٍ، وما تواجهه في سعيها العظيم والشَّاقِ أيضاً من صعوبات، لكنها كانت على مستوى الحلم، وقدر الإِقدام في أن تحلم بإنجازٍ تاريخي يخلِّدهُ التاريخ، وتذكره سجلَّات الزمن، وتتحدَّث به الأجيال، وتنتقلُ به قطر إلى مرحلةٍ طارفةٍ ومتقدمةٍ من مراحلِ نمائها، وتقدمها، لتكون قطر بعد المونديال أقوى شكيمةً، وأشد عزيمةً، فقد ذلَّلت الصُّعوبات، وتجاوزت العقبات، وانتصرت على التحديات، حتى جاء اليوم الذي قال فيه أميرها - حفظه الله - وهو مستريح الأنفاس، شاعراً بالفخرِ والإِعتزاز، مقولته الشهيرة التي سطَّرها التاريخ بأحرفٍ من ذهب:"من بلاد العرب أرحب بالجميع في بطولة كأس العالم 2022، لقد عملنا ومعنا كثيرون من أجل أن تكون من أنجح البطولات، بذلنا الجهد واستثمرنا في الخير للإنسانية جمعاء، وأخيرا وصلنا إلى يوم الافتتاح، اليوم الذي انتظرتموه بفارغ الصبر". من "الإستهزاء بتقديم قطر لملف الإِستضافة" كما كشف الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث حسن الذوادي إلى "النجاحِ المُبهرِ لنجاح أفضل نسخةٍ لكأس العالم" كما أكَّد العالم بأسره تحقَّق حُلماً عظيمة، لدولةٍ عظيمة قيادةً وشعباً. حلمت قطر، فقدَّمت أعظم الدروس؛ لكَ الحقُّ أن تحلم كما حلمَ غيرك، فلا يمكن أن يصادر أحدٌ حلمك إن كنتَ تؤمنُ بما تحلم أن تحققهُ يوماً. حلمت قطر منذ سنين وأنجزت حلمها الذي أبهر العالم، وأخرس أفواه المنتقدين المتهكِّمين، وفي المقابل أشاع شعور الإِفتخار، والعزة في نفوس الشعب القطري، والعرب والمسلمين، بأنهم إن آمنوا بقدراتهم استطاعوا أن يحققوا أحلامهم على أرضِ الواقع فيبهروا بها العالم، ويتسنَّموا بها مواطن الرِّفعةِ والمجد. ليكن حُلمكَ عظيماً فسيتحقق حتماً إن كنتَ أنت في المقابلِ عظيماً بإيمانكَ به، وإرادتك لتحقيقه.