14 سبتمبر 2025
تسجيلها هو عام 2011 يوشك أن يودّع عالمنا العربي وسط تغييرات وتحولات كبرى ، فيما يستعد عام آخر ـ في إطار دورة الزمان التي لا تتوقف ـ لبدء مشوار لن يقل سخونة وحراكا عن سابقه . كان العام الراهن عاما تاريخيا بكل معنى الكلمة، لأنه اعتبر بداية انطلاقة النهوض الحضاري للأمة بعد ثورات المارد العربي لاستعادة حريته وكرامته المسلوبتين منذ عقود على يد الأنظمة الديكتاتورية، لقد اختلف عن أعوام سابقة اتسمت بالرتابة والهوان، وكان أبرز عناوينها : الانكسار والهزيمة والنكسة، وانتهاك آدمية الإنسان ودوس كرامته، والاعتقالات العشوائية، وإرهاب أجهزة الأمن والمخابرات، وتكميم الأفواه وتزوير الإرادات، وانتخابات نسب 99,99% ، والتوريث في الأنظمة الجمهورية، والتبعية للغرب والشرق والخضوع لإملاءاتها وشروطها، والفساد المالي والإداري وسرقة ثروات البلاد.. ثلاثة أنظمة فاسدة سقطت، وصارت أثرا بعد عين، وانتخابات ديمقراطية شهد العالم بنزاهتها، ورقي ممارسة الجماهير فيها بدولتين هما مصر وتونس ، يتاح لأول مرة للإنسان العربي أن يمارس ديمقراطية حقيقية ويختار من يريد، وتحقق المشاركة نسبة مرتفعة غير مسبوقة، ورؤوساء أحزاب يعلنون عدم مشاركتهم في أي منصب رسمي كما هو حال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، ويتنازل رئيس كالمنصف المرزوقي بتونس عن جزء كبير من مرتبه المقرر لصالح الشعب ، ممارسات لم نعهدها من قبل، فيما الفضائح المالية لرؤوس الأنظمة المزاحة وأسرهم وأعوانهم وأرصدتهم في البنوك التي تم كشف النقاب عنها تكاد لا تصدق لضخامتها. من بين خمس ثورات شعبية تحركت عام/ 2011 ، حققت ثلاث ثورات أهدافها في التحول ( مصر ، تونس ، ليبيا) ، فيما اليمن تعيش مرحلة انتقالية في ظل حكومة الوفاق الوطني وترتيبات الخطة الخليجية لرحيل الرئيس اليمني علي صالح وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.. وتبقى سوريا هي الوحيدة التي يتعين عليها ــ على ما يبدو ـ أن تواصل مشوارها النضالي للعام القادم في مواجهة أعتى الأنظمة وأكثرها دموية ودهاء، ودعما من كيانات دولية وإقليمية لا تريد له أن يسقط أو تريد الترتيب الهادئ لبديل عنه . ومع ارتفاع تكلفة التغيير ( أرواحا وجراحا) وطول المدة التي انقضت على انطلاقة الثورة السورية ( تسعة أشهر ونصف الشهر) يتساءل الشعب السوري ومعه حادبون من الشعوب العربية المحبة لنضاله السلمي وشجاعته التي عز مثيلها في مواجهة نظام سفاح تجاوز في دمويته الحدود عن أسباب نجاح ثورات واندحار رموزها في دول عربية وبدء عهد جديد وجميل فيها فيما تأخر ذلك عن سوريا التي لا يزال نظامها يبدي تماسكا، وتقدم جماهيرها المحتجة مزيدا من الضحايا والدماء . يمكن تلخيص إجمالي أسباب ذلك بما يلي: ـ دعم إقليمي ، من إسرائيل أولا التي لا ترغب بزواله وتوصي الغرب بذلك، خوفا من نظام جديد لا يحافظ على جبهتها الهادئة مع سوريا، أو يحاصرها ـ مع الدول التي تغيرت ـ بأصولية إسلامية من كافة الجهات كما تتوقع ( مصر ، سوريا) وربما مستقبلا باقي الدول التي تجاورها، ودعم إيراني واضح وفاضح ومكشوف ( مع كافة حلفائه كالعراق وحزب الله والقريبون من توجهاته في لبنان ) لأن خط نفوذه من طهران لبيروت سيتلقى ضربة غير مسبوقة فيما لو سقط حليفه السوري الهام منذ ثلاثة عقود. وبالمقارنة فإن الأنظمة التي تهاوت لم تلق هذا الدعم، باستثناء دعم خليجي لعدم سقوط النظام اليمني سقوطا تراجيديا مدويا . ـ دعم دولي يتمثل بموقفي إيران والصين المعروفين، والتصدي لتحويل ملف نظام دمشق ـ إلى مجلس الأمن ـ حتى الآن ـ فيما يصب الموقف الغربي المتردد والضعيف وغير الحاسم (الأمريكي والأوروبي ) ـ تلبية لرغبة إسرائيل أولعدم وجود النفط ـ تجاهه لأنه يدرك أنه ليس هناك ما يتهدده جدّيا ، بينما تدخل الناتو في ليبيا سريعا ، وحسمت الولايات أمرها مبكرا بالوقوف إلى جوار التغيير بمصر. ـ عجز عربي كبير يتضح من موقف الجامعة العربية التي استجابت لمطالب النظام حتى قام بالتوقيع على بروتوكول المراقبين رغم شلال الدم الذي أريق مع سياسات منح المهل، وواضح أن الفشل هو مصير مبادرة الجامعة على الأرجح لأسباب لا مجال لتفصيلها والدليل على ذلك أن النظام السوري يواصل هوايته بالقتل بعد وصول المراقبين دون أن يكلف خاطره بسحب المظاهر المسلحة من السجون وإطلاق سراح المعتقلين . ـ دموية وصلف فاقت ما لدى الأقران ، مع ماكينة إعلامية دعائية ضخمة، ومحاولة حجب العالم عن الحقائق التي تجري على أرضه ـ قدر استطاعته ـ ومن الواضح أن التعتيم الإعلامي الحاصل ، لم نجد مثيلا له في كل دول الثورات على الإطلاق. ـ على المستوى الداخلي ضخامة عدد الأغلبية الصامتة حتى الآن ، ونفاق أصحاب المصالح ، وبطء حراك مدينتي حلب ودمشق ، رغم أن معول الحسم الشعبي عليهما، بينما شمل الحراك الشعبي كل أو غالب المدن وأرياف الدول التي انتصرت ثوراتها. ورغم ذلك فإن حتمية انتصار الثورة السورية ترتبط في المقام الأول والأساس بالله الذي هو مناط الانتصار الحقيقي لكل فئة تعتمد عليه وتربط قلبها بالسماء والأخذ بالأسباب المتاحة لها، وبصدق العزيمة وإخلاص التوجه ومواصلة المسير ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) ، فكن أيها الشعب السوري على ثقة بذلك يتحقق لك ما تريد وإن تأخر الإنجاز لبعض الزمن، ومجرد كسرك لحاجز الخوف واستمرارك في مواجهة الطاغية آية من الله وكرامة منه .. والنصر ما هو إلا صبر ساعة، والنصر الذي يأتي بسهولة يذهب بسهولة، والعاقبة لأصحاب الحق.