20 سبتمبر 2025
تسجيللم تتعرض القوة الناعمة وأدواتها في العالم الغربي لهزيمة كما تعرضت لها في حرب غزة الأخيرة، إذ لم تقتصر الهزيمة على الإعلام الغربي الذي بدا فاقداً للمصداقية والمهنية والاحترافية طوال فترة الحرب التي اقتربت من الخمسين يوماً، وإنما وبدا معها الإعلام الغربي وهو يُضحي بكل مصداقيته ومهنيته على مذبح المصالح الصهيونية مضحياً بكل هذا الإرث المتراكم، وتعدّى ذلك ليصيب درة تاج القوة الناعمة الغربية وتحديداً في أمريكا وهي مؤسسة هوليود، فبدت شظايا العدوان على غزة وقد أصابتها من كل جانب. وبينما كانت القوة الخشنة الصهيونية المتوحشة كواجهة في الحرب على غزة، وبدعم من مخازن القتل الأعمى الأمريكية، كانت القوة الغربية والأمريكية تحديداً تضحي بكل رصيدها القائم على عقود من التعب والجهد، لتخسر قواها الناعمة في أيام, وهي التي عملت على بنائه في عقود.الأكاذيب التي روجتها آلة الكذب الأمريكية والصهيونية عن قطع رؤوس الخدج واغتصاب النساء الإسرائيليات، ورددتها أبواق إعلام غربية، سرعان ما تم فضحها وكشف زيفها، ومع هذا ظل وزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن «آلة الكذب» في هذه الحرب يواصل افتراءاته، مقابل مواصلة الإعلام الغربي انحيازه وتخليه عن مصداقيته ومهنيته، حين لم يستضف من روج لأكاذيبه ليناقشه في تضليله للرأي العام، ويبين للرأي العام خطأه وخطأ من استضافه، كل هذا سيدفع هذا الإعلام مستقبلاً ثمنه باهظاً من شعبيته الغربية وليس من شعبيته العربية والإسلامية لفعله هذا، ولا أدلّ على ذلك من تجاهل الملايين لسرديته المنحازة للصهاينة، وخروجه بشوارع واشنطن ونيويورك ولندن وباريس وسيدني مطالباً بوقف العدوان، ومندداً بالعنصرية الصهيونية وحملات الإبادة المشنونة على الشعب الفلسطيني. هل سيجرؤ الإعلام الغربي اليوم على استضافة من روّج لأكاذيبه فيستضيفها في برامجه ليسألها عن أكذوبة الاغتصاب أو قطع الرؤوس أو على كذب اعتقال الجيش الصهيوني لمسلحين كما فعلت فوكس نيوز، ليتبين للعالم كله أن المعتقلين أشخاص عزل، لا علاقة لهم بالعمل المسلح، ومع هذا واصلت القناة وغيرها سياسة التضليل والكذب والافتراء؟، وهل سيجرؤ هذا الإعلام على الاعتذار عن فرية مشفى الشفاء التي شكلت ذريعة للهجوم البربري الصهيوني على غزة، تماماً كما شكلت أكذوبة أسلحة الدمار الشامل ذريعة للعدوان الأمريكي والغربي على العراق من قبل. الخسارة الأعظم هي ما تعرضت له درة تاج القوة الناعمة الأمريكية وهي مؤسسة هوليود، فظهر انحيازها بشكل كامل وسافر للسردية الصهيونية، حين تم استبعاد النجمة الصاعدة سوزان سراندونن من التمثيل لانتقادها العنجهية والبلطجة الصهيونية، وتدخل الممثل المعروف توم كروز لمنع استبعاد وكيلته الممثلة الليبية الأصل مها الدخيل، فعبر لها عن دعمه وذلك لنفس السبب، كما تم طرد الممثلة ميليسا باويريا 33 عاماً وهي ممثلة فيلم الرعب ( سكريم) المعروف بعد أن نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تتهم اسرائيل بالعنصرية والتطهير العنصريين، وقد واجهت رابطة الكتاب الأمريكيين انتقاداً لعدم شجبها حماس، بعد أن التزمت الصمت إزاء غزة وأحداثها، ووصل الخلاف إلى اتحاد الممثلين البريطانيين الذي يضم 47 ألف عضو، لانتقاده القصف والاحتلال والعنصرية الصهيونية. ونشر موقع الجزيرة نت الانجليزي رسالة من زملاء في البي بي سي وتضمن أكثر من 3000 كلمة ينتقدون فيها موقف مؤسستهم لعدم تعاملها مع الشعب الفلسطيني كبشر خلال تغطية حرب غزة بحسب توصيف الرسالة. شظايا حرب غزة وصلت إلى أدوات ناعمة أمريكية وغربية مهمة أخرى، حين طالت حملات المقاطعة العربية والإسلامية المنتجات الأمريكية، والتي قدمت أمريكا للعالم، وجعلت جيل الشباب معجباً بأمريكا بسببها، إن كان بحملات المقاطعة التي أطلقت خلال فترة الحرب على ماكدونالدز وستاربكس، أو على شركات البيبسي وغيرها من المأكولات والمشروبات، وهي التي شكلت ماضياً جانباً من العلاقة الباطنية المحببة تجاه أمريكا، لنستيقظ في غضون أيام على عكس ذلك كله، فيتجلى ذلك بمقاطعة شعبية قوية، بعد أن تخلت الأنظمة عن مسؤولياتها، ونثرت خلال حملات المقاطعة الكاتش آب كتعبير عن الدم على مأكولات البرغر كينغ، أو على الماكدونالدز ونحوه، وغصت مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات والصور التي تندد بأمريكا وبسياستها، وقد حصدت كل هذه المنشورات والفيديوهات المنددة بالسياسة الأمريكية إعجابات ومشاركات ومشاهدات على نطاق واسع، وهو الأمر الذي يستلزم بكل تأكيد تقدماً ناعماً للقوتين الصين وروسيا. لقد كان الانحياز الأمريكي الأعمى الفاضح للصهاينة ضربة قوية للدبلوماسية الأمريكية لها ما بعدها، وآثار ذلك لن يظهر فقط خلال أيام، وإنما سيكون له آثار وتداعيات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية كبيرة، فبعد أن كانت أمريكا إلى حد ما لديها تلك الصورة بالقدرة على وقف المعركة، ظهرت منحازة للقوة الصهيونية بشكل سافر، وهو ما بدد صورة أمريكا القوية القادرة على وقف العدوان، لتبرز قطر وأداتها الناعمة الجزيرة المنتصر الأول والأخير في هذه المعركة.