11 سبتمبر 2025
تسجيلقبل البدء أريد أن أوضح معنى "معاياه" للأعزاء القراء غير القطريين والذين أشكرهم على المتابعة والاستيضاح الدائم للمفردات الشعبية التي دائما ما أحرص على استخدامها في مقالاتي وذلك للحفاظ على أصالة اللهجة القطرية وتوارثها جيلا بعد جيل. فالمعاياه هي مفردة تستخدم لوصف الجدال أو المجادلة في أمر ما ليس الهدف منه الوصول للحقيقة بقدر تمسك كل طرف برأيه ومحاولة اثبات خطأ الطرف الآخر، وهناك أناس يتمتعون بقدرات خارقة في "المعاياه"، قدرات تجعل منهم ملوكا في هذا المجال، فالمعاياه عندهم إدمان يجعلهم يجولون المجالس والدواوين فقط لإشباع شغفهم. إن تاريخ المعاياه في مجتمعنا قديم قدم التواجد البشري على وجه الخليقة، فلا يكاد يخلو مجلس أو بيت أو بيئة عمل من وجود شخص أو أكثر يطلق عليه "راعي معاياه" يمتلك لياقة وطول نفس في الجدال والمناقشة "والمرادد" لا يمتلكها عداؤو المسافات الطويلة أو أبطال سباقات القدرة. وراعي المعاياه أو "المعايي" إن صح إطلاق هذه المفردة عليه، فضوليا بطبعه ودائما ما يتصيد لعثرات وهفوات الآخرين أثناء حديثهم، فلا تكاد تمر عليه شاردة أو واردة في أي موضوع حتى لو كان الحديث عن مراحل الانقسام الميتوزي في الخلايا الجسمية فستجده يتدخل بسرعة الضوء أي بما يعادل 300,000 كيلومتر في الثانية حتى يدلو بدلوه ويناقش ويحلل ويستنتج ويقرر، وهو في هذه اللحظة لا تعنيه صحة ما قال أو مدى مصداقية وموثوقية المعلومات التي بنى عليها استنتاجه بقدر إثبات وجهة نظره من جهة وتفنيد آراء الآخرين وأفكارهم من جهة أخرى، فمصادره معظمها من وكالة سمعت ويقولون التي يصعب معرفة حقيقتها، وكلما زاد النقاش والجدال زادت سعادته ومتعته وزاد عناده وتعصبه لرأيه وزادت معاناة من يقع في حبائله وشركه. وراعي المعاياه دائما ما يكون هدفه الرئيسي هو الانتصار في أي نقاش أو حوار أو جدال يدخل فيه، فالبحث عن الحقيقة لا يعنيه وليس من أولوياته في معاركه الجدالية، وإنما هدفه الأسمى هو القضاء على من يصنفهم خصوم له. وراعي المعاياه دائما ما "يشخصن" أي موضوع عندما يشعر بأن خصمه بدأ في دحض حججه وإثبات خطئه، فتراه قام بهجوم معاكس فيه نوع من الخفة والمراواغة، فيبدأ بتوجيه الاتهامات والانتقادات لشخص المحاور عوضا عن تقديم الحجج والبراهين كوسيلة للتهرب من النقاش وتشتيت تركيز المحاور عن الموضوع الأساسي، فيتهمه بأنه مجادل أو متحيز أو أي اتهام شخصي آخر. والسؤال هنا كيف يمكننا التعرف على شخصية راعي المعاياه وتجنب الدخول في نقاش عقيم وبلا طائل؟، وللإجابة عن هذا السؤال دعونا نبدأ في أنفسنا، فهل نحن متجردون وغير متحيزين وباحثين عن الحق في حواراتنا ونقاشاتنا أم أننا صورة مصغرة لراعي المعاياه؟ فمتى ما عرفنا حقيقة انفسنا فإنه من السهل جدا علينا ان نكتشف أمثال هؤلاء. عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (الزخرف 58) رواه الترمذي وابن ماجه))، وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)) رواه الطبراني، والمراء هو الجدال. وختاما أقول، إن العلاج الأفضل والأمثل للتفاهم مع "راعي المعاياه" هو تجاهله وعدم الخوض معه في نقاشات تكون محصلتها النهائية ارتفاع في ضغط الدم وتعكير للمزاج، فوقتك أثمن من إهداره في صراخ وجدل لا يسمن ولا يغني من جوع. @drAliAlnaimi