12 سبتمبر 2025

تسجيل

تنقيح مناهج التعليم

28 نوفمبر 2018

حسناً فعلت وزارة التعليم والتعليم العالي، بتخصيص رابط التغذية الراجعة حول مصادر التعليم، وكنا قد دعونا لذلك في مقال سابق في 12/9/2018. ففي حقيقة الأمر، لابد للمجتمع من المشاركة في عملية اختيار المناهج، خصوصًا وأن مجتمعنا يزخر بطاقات متعددة وخبرات متنوعة، تُثري المنهج الذي قد تقوم عليه لجنة محدودة، يكون لأفرادها توجهات محددة، أو معارف متخصصة. كما أن سماع آراء تلك الخبرات حتمًا سوف يدعم المنهج ويجعله أكثر شمولية وعمقًا. فالتعليم – في وقتنا الحاضر- ليس تلك العملية التي تُخرج الطالب من الأمية الأبجدية وفك الخط، وبالتالي نيل الشهادة، قدر ما تكون لتأهيل الطالب لفكِّ أسئلة الحياة الصعبة، وهذا من يجعل المواد الإثرائية في منزلة هامة، ضمن المنهج. أما تشكيل لجنة وضع المنهج، فتحتاج إلى خبرات في مجالات متعددة، ويجب أن تتضمن كفاءات في مجال: الثقافة، الإعلام، الرياضة، الفنون التشكيلية، المسرح.. إلخ. لأننا لا نفترض أن أعضاء اللجنة – أية لجنة مع كامل الاحترام لهم – أن يُلموا بجميع تلك المجالات المتعددة. كما أن ثقافة ( الإقرار بوجود أخطاء في المنهج)، كما أشارت إلى ذلك الأستاذة فوزية الخاطر الوكيل المساعد للشؤون التعليمية بوزارة التعليم والتعليم العالي ( الشرق 11/9/2018)، هو الطريق الأقوم لتصحيح المسارات، دون السكوت على الأخطاء، ولكأنَّ الإعلام لا دور له في كشف الهنّات والأخطاء. ولدينا مجموعة من الملاحظات حول وضع المنهج وأساليب التدريس في مدارسنا: لقد أثبتت التجربة السابقة – ومن خلال تدريسنا للطلبة والطالبات في جامعة قطر وكلية المجتمع لأكثر من ثلاثين عامًا – أن تحصيل الطلبة غالبًا ما يكون تلقينيًا، من أجل الفوز بأكبر قدْر من الدرجات والنجاح في الثانوية، وأن المعلومات العامة ضعيفة جدًا، لدى فئة كبيرة من الطلبة والطالبات، لدرجة أن طالب المرحلة الجامعية لا يعرف معنى الأمم المتحدة United Nations أو موقعها، ولا مَن هو محمد بن عبدالوهاب الفيحاني، ولا يعرف اسم عاصمة الولايات المتحدة، ولا من هو طه حسين، أو اسم أول من وطأ سطحَ القمر.. وغيرها من المعلومات الهامة التي تكوّن معارف الطالب. كما أن الحفظ – دون الممارسة – يتعرض لعامل النسيان مع الأيام، ونلاحظ ضعف الطلبة في الكتابة الصحيحة، ومعرفة النحو والبلاغة، ولكم أن تتصوروا أن بعض الطلبة لا يستطيعون كتابة عشرة سطور خالية من الأخطاء الإملائية والنحوية. وهذه مشكلة كبيرة جدًا، ولا بُد أن تأخذ لجنة تنقيح المنهج بهذه الملاحظة، التي هي نتيجة أسلوب توصيل المادة إلى الطلبة. ولقد تم إجهادُ الطلبة وتنفيرُهم من اللغة العربية، وذلك لصرامة التوصيل، والاعتماد على الحفظ، وأن الممارسة عبر القصص القصيرة، والأغنية، والشعر العربي، والمقال الصحفي، والبرنامج الإذاعي، والمسابقات الصفية، تدعم حُبَّ الطلبة للغة العربية. كما أن إجهاد الطلبة بالعديد من الكتب للمادة الواحدة، تجعلهم مُشتتين، وغير مركزين على المادة. لذا، فإن تضمين المنهج (مادة اللغة العربية) للمُعاصَرة، وإدخال مفردات الحياة اليومية، من الأمور التي تجعل استيعاب الطلبة للمنهج أكثر جاذبية. يُشكل مدرسُ المادة ضلعًا ثالثًا في العملية التعليمية، إلى جانب المنهج والطالب، ولقد تعرّفنا على حالات – في الماضي، في مدارس مستقلة – يتم فيها قبول مدرسين غير متخصصين تربويًا ولا معلوماتيًا، كي يُعلِّموا أبناءَنا، وهذا لا يجوز، ولا بد من إعادة فتح ملفات المعلمين والمعلمات، والتأكد من كفاءة البعض، وقدرتهم على تطوير المنهج وإيصاله بصورة فاعلة. كما أن حفظ المدرس للمنهج، وتكراره – بنفس الأسلوب – ليس ملمَحًا إيجابيًا، لأن تطوُّر الحياة، وتعدد توجهات الطلبة، وظهور جيل جديد من الطلبة، يُحتِّم أن تشارك الأدواتُ الجديدة في عملية التعليم، مثل: الكمبيوتر، الهاتف المحمول، المواقع الإلكترونية، وعلى المدرس أن يتقن الخطاب الاتصالي مع الطلبة، بحيث يُحبِّب الطلبة في المادة، لا أن يكون سيفًا مُسلطًا على رقابهم. والخطاب الاتصالي يعني استخدام الكلمات الواضحة والدالة، مع استخدام لغة الجسد، دون أن يجلس المدرس على كرسيه ويأمر الطلبة قراءة الكتاب من صفحة كذا إلى صفحة كذا!؟ ومن ضمن صفات المدرس أن يُراعي بعض حالات الطلبة نفسيًا وفيزيائيًا، ويخصص وقتًا لهذه الفئة التي تحتاج إلى رعاية خاصة، كما أن بيئة التعليم، مهما كانت مناسبة وملائمة، لا بد وأن يتسرب من خلالها المللُ إلى الطلبة، وقد ينام بعضهم أو يسرح، لذا، فإن على المدرس أن يُحسن استخدام خياله في إخراج الطلبة من بيئة الجدران الأربعة، إلى فضاءات مفتوحة، كأن يأخذهم إلى المشاريع الهامة في البلاد، مثل: مكتبة قطر الوطنية، مشروع الريل، ميناء حمد، المواقع الأثرية، مشروع مشيرب، سوق واقف، إذاعة قطر.. وغيرها، لأن هذه المنشآت والمواقع تثري معلومات الطلبة، وتجعلهم أكثر تقبّلًا للمعلومة من الكتاب الجامد. إنني أفترض أنه لو قام مدرس مادة اللغة العربية بعرض نشيد أو أغنية باللغة العربية الفصحى، ولدينا العديد من الأغاني الوطنية والإنسانية، لكانَ حِفظُ الطلبة للإعراب سيكون أفضل من الشرح على السبورة أو البوربوينت. تطوير المنهج: لقد سمعنا عن تطوير المناهج منذ أكثر من ثلاثين عامًا!؟ ومن المُستَغرب أن تحدث أخطاء – كما سبق – بعد كل تلك التجارب، كما أوضحت الوكيل المساعد للشؤون التعليمية بالوزارة ( مادة الشرعية والمهارات الحياتية، مثلاً)، وهذا يدعونا للتساؤل عمّا إذا كانت لجنة تأليف المنهج تُراجع أو تُكلف مراجعين مختصين بمراجعة ما يوضع في المنهج! أو أن تشكيل اللجنة لم يُحالفه الحظ في كشف تلك الأخطاء، قبل أن يصل الكتاب إلى يد الطلبة. ناهيك عن تكاليف طباعة آلاف النسخ من الكتاب الواحد!. إن العملية التعليمية لا شك مُعقدة ومسؤولية كبرى، لأنها تشكِّل وتُقولب شخصية المستقبل، وما لم يكن المنهج شاملًا ومتنوعًا، وغير مُغرقٍ في تفاصيله الدقيقة، فإنه سيكون عبئًا على العملية التعليمية وعلى المدرس وعلى الطالب. كما أن الاتجاهات الحديثة في التعليم تؤكد على مبدأ (دمقرطة التعليم)، وإشراك الطالب والمجتمع في اختيار مواد المنهج، وأسلوب التدريس، وشكل بيئة التعليم، وإقناع الطلبة على ممارسة التفكير الناقد Critical Thinking، والمهارات الإبداعية Innovative Skills، والتي تكشف لنا مَوهوبي المستقبل من علماء، أدباء، مفكرين، مهندسين.. إلخ. كما أن الاكتشاف المبكر لهؤلاء يجعلهم في مأمن من التشتت في اختيار نوعية التخصص ونوعية الموهبة. وهنا لا بد من وجود حلقة اتصال بين الطالب والمؤسسات التي ترعى مواهبه، بحيث يمكن إلحاقه بتلك المؤسسات، خارج الدوام الدراسي، لإثراء تجاربه بصورة عملية. مع تمنياتنا لطلبتنا وطالباتنا بالنجاح والتوفيق.