13 سبتمبر 2025
تسجيلبداية فإننى أعترف بأننى أتطرق إلى موضوع شائك وفى نفس الوقت شديد الحساسية .. فكما يعلم الجميع فإن الفن أصبح عنصرا مؤثرا فى حياة المجتمعات .. وبالتالى مؤثرا فى جميع البشر بشكل مباشر أو غير مباشر .. ويكون هذا التأثير فى سلوك الإنسان .. وطرق تعامله مع غيره من البشر .. بل ومزاجه العام .. وقد يتخطى الأمر ذلك بكثير جدا ويؤثر على نهج الإنسان فى تنشئته لأبنائه .. والمقصود بالفن هنا جميع الأعمال الإبداعية من الرسم والنحت والتمثيل بكافة أشكاله المسرحية السينمائية والتليفزيونية والإذاعية .. وغير ذلك . ما سبق كان مقدمة لابد منها للدخول إلى موضوع هذه المقالات .. حيث يرى بعض المفكرين أن الفن يعكس واقع المجتمع .. بينما يرى البعض الآخر أنه – أى الفن – ينقد المجتمع .. بمعنى أن يوضح الإيجابيات والسلبيات فى المجتمع وعلى المتابع أن يفهم ما يشاء .. أى أن الفن لا يقود المجتمع إلى طريق معين .. وتنحصر وظيفته فى النقد والتوضيح كما أسلفنا .. ويرى البعض الثالث والذين تغلب عليهم روح الرومانسية أنه يجب على الفن أن يقدم لنا صورة جميلة للمجتمع تخلو من أى سلبيات بإعتبار أن ذلك هو النموذج الذى ينبغى أن يُحتذى من الجميع .. وأخيرا هناك فريق رابع – وأنا منهم – يرى أن الفن هو مرآة المجتمع التى تعكس كل قضاياه بإيجابياتها وسلبياتها .. ويتناول كافة القضايا .. أو بمعنى آخر كل ما هو موجود على أرض الواقع .. دون أى تجميل .. أو تصفية للشوائب .. ولكن فى النهاية – ومن خلال طرق غير مباشرة – يوضح للمتلقى المنهج الذى ينبغى عليه أن يختاره من خلال تأثره بما يستخلصه بنفسه من خلال تأثره بالفن والبدائل والرؤى المختلفة التى عكسها العمل الفنى .. وما سلطه من ضوء على القضية أو القضايا التى تناولها .. ومع هذا فإننا يجب أن ننبه – وبمنتهى الشدة وبأكبر قدر من الوضوح – إلى أن الإبداع الفنى الحقيقى لا يمكن أن يكون ذات رسالة مباشرة للإصلاح الذى ينشده المبدع أو الفنان .. وفى رأى الكثير من النقاد – فى مختلف البلدان والثقافات قديما وحديثا – أن ذلك لو حدث فسيتحول الفن إلى مجرد رسالة أخلاقية لا تنتمى إلى الإبداع أو الفن بل سيكون مجرد توجيهات أو إرشادات تنفى عنه روح الإبداع . وقد يتساءل البعض هنا عن العلاقة بين الفن والإبداع والواقع من ناحية وبين حرية الإبداع والتعبير من ناحية أخرى .. وهذا الأمر كان مثار جدل طويل ومناقشات لم تنته إلى رأى حاسم حتى الآن – ولا أعتقد أنها ستصل إلى رأى قاطع فى المستقبل القريب .. ولا حتى البعيد – نظرا لاختلاف الرؤى إلى درجة كبيرة .. حيث يرى المبدعون أن لهم الحق المطلق فى الخيال والإبداع .. بينما ترى شرائح كبيرة من المجتمعات وفى مقدمتهم معظم المعلمين وبعض أساتذة الجامعات ورجال الدين بالطبع أن ترك حبل حرية التعبير على الغارب سوف تضاعف من السلبيات .. خاصة أن جميع الناس ليسوا على درجة واحدة من التعليم والثقافة .. وبالتالى درجة الإستيعاب .. ومن رأى هذه الشريحة الهامة من رجال الفكر أنه مهما كانت درجة تباين الأراء واختلافها فيجب أن نتركها تتفاعل مع بعضها البعض حيث أن ذلك يثرى الخبرات من خلال الإطلاع على آراء كافة الشرائح المجتمعية .. ولكنهم فى نفس الوقت يصرون على ضرورة قيادة الفن للرأى العام بطرق مباشرة أو غير مباشرة كما أسلفنا فى بداية المقال .. وأكثر من ذلك فإن عدم قيادة الفن للمجتع سوف يؤدى حتما إلى تفتيت وحدة المجتمع . ونحن إذ نطرح هذه القضية التى ندرك كم هى شائكة – كما أسلفنا فى البداية – فإننا على استعداد لتلقى كافة الآراء ومناقشتها ونشرها . على أمل اللقاء بكم فى قضايا جديدة ومقالاتنا القادمة بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين e mail : [email protected] [email protected]