09 أكتوبر 2025
تسجيلالعلاوة الدورية السنوية لمن يشغل درجة (مساعد أستاذ) هي ستة جنيهات مصرية لا غير ، فإذا جد واجتهد ، وقام وقعد ، وأمضى خمس سنوات في عناء وكَبد، وتقدم للترقي لدرجة أستاذ – وهي نهاية درجات الترقي العلمية – قفزت علاوته السنوية الدورية من ستة جنيهات إلى ستة وربع، وهذا الوضع سائد في مصر من نصف قرن تقريبا توالت فيه الحكومات، وتعددت فيه الطروحات، وتغيرت أسعار العملات، وتأخرت المعارف وتطاولت النكرات، ولم يخطر ببال أحد أن يلتفت إلى هؤلاء البائسين الذين تلفعوا بالاستعفاف، ونفروا من الاستجداء، ورفضوا الابتزاز طوال خمسين عاما، وهم على الفقر صابرون وبالعفة مستمسكون. وليت الحكومات المتعاقبة اكتفت بتجاهلهم، وإهمالهم، ونبذهم عمدا خلافا لكل فئات المجتمع التي يحق لها اختيار من يقودها ويمثلها إلا أساتذة الجامعات لأنهم قاصرون فإن الحكومة وهي (الرشيدة !!) وصية عليهم في شرعها وليس في شرع الله، فهي تختار لهم قياداتهم في مناصب الجامعة جميعها، حتى لا يسيئوا الاختيار لأنهم قاصرون عابثون لا يفرقون بين الألف وكوز البوظة !! وهي لا تتدخل في شؤونهم بتعيين قياداتهم فقط، ولكنها تبث عيونها بينهم إذا قاموا وإذا قعدوا وإذا هموا بما لم ينالوا، وتبث عيونها بين الناشطين منهم خاصة، لكي تحول بينهم وبين أنفسهم إذا أرادوا بأنفسهم شرا وهم لا يشعرون. لست – ولم أكن يوما – متعاطفا مع أولئك السبعينيين الذين يثورون – الآن - وهم في سن اليأس على أوضاع هم صنعوها وشاركوا فيها بالفعل أو بالصمت. فليقفوا احتجاجا إن شاءوا، أو فليقعدوا انتظارا إن شاءوا، فلن يسمع بوقوفهم ولا بقعودهم أحد، ولن تجيرهم حكومة بلَتْهم فأحسنتْ بلاءهم، وعلمت منهم مَنْ وافقها ومن نافقها ومن "رافقها" !!، وستتخذ من أولئك (الرفاق) القدامى سيوفا تقطع بهم رقاب إخوانهم ممن يشاركونهم (الآن !!) الوقوف، فهذه سياستها، وذلك ديدنها، وتلك شنشنتها التي اصنعتْها مع القضاة، فقرَّبتْ منهم بعض السبعينيين فيما أسمته لجان التصالح ومحاكم الأسرة، لتضرب بهم المتشددين من إخوانهم. ولست – ولم أكن يوما – متعاطفا مع أولئك السبعينيين الذين يثورون وهم في سن اليأس بعد أن رأيتُ بعضهم يسكتون على سرقات علمية، ورأيت بعضهم يبيعون الدرجات العلمية بيعا، ورأيت بعضهم يبيعون الترقيات العلمية بيعا، ورأيت بعضهم يرى نفسه إلها صغيرا فيُعِزّ ويُذِل من طلابه، ويخفض ويرفع من مرؤوسيه، حتى إذا خَلَتْ به الحكومة أو خلا بها رأيناه يسقط ويركع، ويسجد ويذل، ويعطِّر بأحذية صغار المخبرين والمرشدين وجهَه الوقور، ورأيت بعضهم يسرق رسالة طالب فقير فيهديها لزوجة رئيسه فيرتقي حتى يصبح نجما يلمع لحظاتٍ، ثم يخور ويحور، فيافل، فيسقط في مزبلة التاريخ، مخلِّفاً وراءه كلَّ ما اجترح من سيئات وكل ما اقترف من آثام، وتاركا لتلاميذه أسوةً عفنة وقدوةً نتنة. قفوا يا أساتذتنا أو اقعدوا، فقد ذبحتم أنفسكم حين سكتّم عن علاوة ربع الجنيه نصف قرن!!