28 سبتمبر 2025

تسجيل

ثمرات أفضل الانتصارات

28 نوفمبر 2012

ترك الانتصار الذي حققته حركات المقاومة وفي مقدمتها حركة "حماس" قبالة عدوان الأيام الثمانية للكيان الصهيوني، وما ارتبط به من أحداث وتفاعلات، تأثيراته على المحيطين العربي والإسلامي، ومن بين أهم هذه التأثيرات السلبية ما يتعلق بالنظام السوري وبعض الدول الداعمة له، أو القوى المتحالفة معه. معلوم أن العدوان الإسرائيلي جاء بعد حوالي سنة من تدهور علاقة النظام السوري، واضطرار قادة حماس لمغادرة الأراضي السورية، بسبب رفض الحركة الوقوف إلى جانب النظام ضد ثورة شعبه، وتوزعهم على عدة دول. وتبعا لذلك ساءت علاقة الحركة بإيران، وبسبب ذلك خسرت "حماس" الدعم السياسي وربما اللوجستي لسوريا، والدعم السياسي والمالي والسلاح لإيران. لقد كانت هاتان الدولتان تظنان أن "حماس" بدون عمقهما ودعمهما، ربما ستصاب بمقتل، أو يتأثر أداؤها وحراكها أو تتراجع نحو الوراء. وعندما وقعت الحرب على غزة، ربما لم يتوقع الحليفان أن تستطيع حماس انتزاع مثل هذا النصر على العدو بمثل هذه السرعة والقوة، وهو ما عزز مكانة "حماس" فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ودوليا على المستويين الرسمي والشعبي، ورفع من أسهمها، وأدى إلى تراجع أدوار النظامين السوري والإيراني، وازدياد نسبة الكارهين لسياستهما بسبب المقارنات التي عقدت بين سلوكيات الأطراف المختلفة. انتصار حماس العسكري المقاوم ـ ومعها فصائل المقاومة ـ كان واضحا في إجبار العدو على طلب الهدنة، بسبب عدم تمكن الأخير من تحقيق أهدافه في الحرب، بعد أن تفاجأ بقوة المقاومة، وخشيته من تكبده مزيدا من الخسائر. أما الانتصار السياسي فتمثل في قدرتها على الإفادة من أجواء ثورات الربيع العربي، ودعمها لها، والتعامل بديناميكية مع المتغيرات والتطورات في المنطقة، بعد أن وقفت هي إلى جانب هذه الثورات من منطلق أخلاقي، ورفضت كل المغريات للوقوف إلى جانب الظالم، وخسرت كثيرا من المزايا بسبب ذلك.. وقد تمثل هذا الانتصار فيما يلي: ـ دعم دبلوماسي مصري تونسي تركي لحكومة غزة ومقاومتها ضد العدوان، تمثل في زيارة ممثلين على أرفع المستويات، للتأكيد على وقوف هذه الدول إلى جانب الشعب الفلسطيني في محنته ضد العدوان، وتقديم الدعم الإغاثي العاجل. وقد تلا ذلك تحرك على مستوى الجامعة العربية، وهو ما لم يحصل في أي من الاعتداءات السابقة على غزة. ـ تحسين شروط التفاوض، بدعم النظام المصري الجديد، وحصول حماس والمقاومة على أغلب مطالبها في الهدنة التي رعتها القاهرة، ومن ذلك اشتراط فتح المعابر، ووقف الاغتيالات. ـ خلخلة بنيوية في هيكل الإقليم تمثلت في بداية انحسار الدورين السوري والإيراني فيما يتصل بالقضية الفلسطينية، والادعاء بدعم المقاومة، مقابل بدء صعود الدورين المصري والتركي. لقد كان واضحا أن إيران وحليفها حزب الله كانا يستدعيان أي تصريح بحثا عن دور لهما في النصر الذي تحقق، كالحديث عن الصورايخ التي قدمتها إيران لحماس قبل سنوات، أو عن إمكانية صواريخ حزب الله في الوصول لمديات أبعد في اختراق أمن العدو وعمق أراضيه ومدنه، أو لمحاولة صرف الأنظار عن خيبتهما بتصريحات تلفت الأنظار عن تقصير دول خليجية في دعم المقاومة الفلسطينية، مقابل دعم ثوار سوريا ضد نظام الأسد، في مغالطة مفضوحة لسببين أولهما أنهما أكبر الداعمين للظالم (النظام السوري) بالمال والسلاح والرجال، ضد المظلوم ( الشعب ) وتطلعاته نحو الحرية والكرامة، وأنهم هم من أوقفوا الدعم المالي عن حماس والمقاومة التي تقوم بها، لمجرد أنها وقفت مع الشعوب في ثوراتها ضد الحكام الظالمين، وفي مقدمتهم الأسد حليفهم الأكبر. ويضاف إلى ما سبق تعاظم شعبية حماس والمقاومة لدى الجماهير في الدول العربية والإسلامية ورصيد أنظمة ثورات الربيع العربي التي وقفت إلى جانبها، حتى أن ثوار الثورة السورية في المظاهرات اعتبروا أن جرح غزة جرحهم، وأن قدر غزة ودمشق واحد ومشترك في مواجهة الاحتلال والاستبداد. وبالمقابل تراجع شعبية حزب الله إلى درجة الوصول للحضيض خصوصا إبان تلك الفترة، لأن الشعوب عقدت مقارنة بسيطة بين حزب لا يدعم المقاومة وهو قادر على ذلك، ويكتفي بالتهريج والجعجعة الكلامية، فيما يدعم بكل ما يستطيع نظاما إجراميا ويتبجح بذلك. والشيء نفسه يقال عن النظام الإيراني ولي نعمة النظام السوري والحزب اللبناني. الخلاصة.. إن تحالف حماس مع النظام السوري في فترات سابقة أملته ظروف استثنائية خاصة، وعندما وصل الأمر إلى منعطف حساس، ضحَّت حماس به بغض النظر عن خسائرها من ذلك لاعتبارات أخلاقية، فلا يعقل أن تلتقي مقاومة الاحتلال والظلم مع تأييد الاستبداد والظالمين والدفاع عنهم، أو حتى السكوت عنهم. وبالمقابل فإن المنطقي أن تلتقي المقاومة مع ربيع الثورات العربية أنظمة وشعوبا ثائرة، وأن يعضد كل منهما الآخر، لتحقيق أفضل الانتصارات.