15 سبتمبر 2025
تسجيلالتمويل وتوظيف التكنولوجيا في تقليل التأثيرات المناخية تحديان أمام مؤتمر التغير المناخي المنعقد بالدوحة حالياً، إذ إنّ التمويل وتسديد الدول المانحة لالتزاماتها المالية التي تقدر بـ"100" مليار دولار للدول النامية هي القضية الأبرز على طاولة مفاوضات الخبراء، الذين يسعون جاهدين إلى التوصل لاتفاق بشأن التمويل للبدء في خطوات إنقاذ الكوكب. كما لا يخفى على أحد ما للتكنولوجيا من دور مؤثر في الحد من التأثيرات السلبية لانبعاثات الغازات والكربون وارتفاع درجة حرارة الأرض، إذا تمّ توظيفها بشكل يتسق مع الطفرة الصناعية التي تعيشها الكيانات الاقتصادية المختلفة، وبما أنّ فرص تطبيقها وما أعنيه هي التقنية الآمنة التي لا تخلف مخلفات ضارة، قد تكون محدودة في الدول النامية لكونها تخطو خطواتها الأولى نحو بناء اقتصاد يلبي احتياجات سكانها. ومن الصعب في الوضع الراهن صياغة برامج لهذه الجهود دون دراسة الإشكاليات البيئية أولا، وطريقة تناغمها أو تآلفها مع الاتفاقات الدولية بشأن المناخ. تعتبر التكنولوجيا الصديقة للبيئة أو المحافظة على مقدرات الطبيعة، طريقة مثلى للخروج من التداعيات الجمة لتأثيرات المناخ، إذا وظفت في البرامج الموجهة لخدمة الدول النامية توظيفاً متوازناً يقلل من التكاليف والموازنات الضخمة أو اللجوء لطلب مساعدات. لقد وضع المؤتمر على أجندته محورين، الأول تنفيذ الدول لبروتوكول "كيوتو" الذي يفي بتعهداتها بدفع "10" مليارات دولار سنوياً للدول النامية وزيادة مقدارها إلى عشرة أمثال إلى "100" مليار دولار بحلول 2020، والثاني: إيجاد سبل جديدة لتوظيف نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية مع الحفاظ على مستوى الطموح. فالتمويل يشكل حجر الأساس للنهوض ببرامج الإنماء في الدول النامية، لأنّ تنفيذ الاتفاقيات الدولية يستغرق سنوات طوالا ولا يأتي التشخيص والحل بين يوم وليلة، كما أنّ التكنولوجيا التي تسببت في الكثير من التداعيات هي اليوم في حاجة ماسة لإعادة تشخيصها ودراستها بشكل علمي ممنهج. فقد أشار تقرير صادر عن "أوكسفام" الدولية إلى أنّ تأخر حصول الدول النامية على التمويل اللازم لمواجهة خطر الانبعاثات والتكيف مع الآثار المدمرة سيكون له مردود سلبي، إذ إنّ عدم الاتفاق الدولي هو في حد ذاته إشكالية أمام طريق التكاتف الدولي، فقد تمّ تقديم "30" مليار دولار على سبيل دفعة تمويل البدء السريع، وبناء عليه تمّ إنشاء الصندوق الأخضر ولجنة التكيف مع الوضع، للتصرف في "100" مليار دولار إلا أنّ ما جرى تمويله حتى الآن لا يشكل سوى "24%" من خطوة التنفيذ. إزاء هذه الجهود التي استغرقت قرابة العشر سنوات منذ بروتوكول "كيوتو"، فإنّ الكوارث الطبيعية تفاقمت وتيرتها في السنوات الأخيرة، وكان أبرزها فيضانات دول جنوب شرق آسيا وإعصار ساندي الذي ضرب سواحل الولايات المتحدة الأمريكية والجفاف الذي اجتاح أوروبا وتراجع إنتاج المحاصيل الزراعية، وكل هذه الآثار تسببت بصورة مباشرة في الإضرار بالإمكانات البشرية والمالية والبنية التحتية للدول، وباتت تكلفة علاج تلك الأضرار البيئية والزراعية والصناعية أكبر من معالجة التأثيرات المناخية ذاتها. والمتابع للشأن الاقتصادي فإنّ المخاوف الدولية تتلخص في عدم التوصل لاتفاق يكون بداية مرحلة جديدة في عملية مفاوضات المناخ التي بدأت في 1995، وتفاقم ديون اليورو والأزمة المالية التي أضعفت من قدرة الدول على تبني سياسات ناجحة لخفض جديّ للانبعاثات الكربونية، والإيفاء بالتعهدات وفق مبادئ دولية ملزمة، حسب ما أشار تقرير دول الـ "77"، وعدم اتباع وسائل معينة على صداقة البيئة أو التكيف مع الآثار الحالية. ويرى تقرير دولي أنّ الاقتصادات الكبرى تعهدت بتخفيض الانبعاثات إلا أنها غير كافية لتحقيق التوازن المطلوب، وأنه لا بد من دور تطوعي أكبر يساعد الدول النامية على الخروج من أضرار تلك التداعيات. ينظر المجتمعون في مؤتمر التغير المناخي إلى فترة الالتزام الثانية التي ستنطلق من 2013 بتفاؤل حذر من الأزمات التي قد تعترض طريق بدء الحل السريع لتلك التأثيرات، وأنه في ظل التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والأزمات المالية المتلاحقة لأوروبا، وتزايد الكوارث، وضعف عمليات تمكين الدول النامية للنهوض باقتصاداتها في وجه التغيرات والتقدم البطيء في تمويل برامج الحد من التغيرات المناخية سيكون الأمر أكثر تعقيداً خلال السنوات العشر القادمة. فالمجتمع الدولي يناقش عدة قضايا عميقة الصلة بهذه المشكلة وهي إشكاليات الطرق الحديثة وزحام وسائل النقل وعوادم المركبات ونسب التلوث المرتفعة والآثار الناجمة عن المخلفات والصناعة وغيرها، والتي تبحث هي الأخرى عن اتفاقيات للحد من زيادة مخاطرها. أما خطوات الإنقاذ فيرى خبراء دوليون أنّ الدول لا بد أن تبحث فرص النمو في أسواق الطاقات البديلة والمتجددة، والاستفادة من الطاقة الشمسية، وابتكار وسائل تكنولوجية للحد من التأثيرات المناخية لتفسح الطريق أمام الدخول إلى أسواق الطاقة النظيفة، حيث بات اللجوء إليها في ظل تصاعد الآثار أمراً حتمياً أكثر من أي وقت آخر.