12 سبتمبر 2025
تسجيليتفق الكثيرون على أن ما فعله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا، في إثارة مشاعر ملايين المسلمين، بالإساءة الصريحة لسيدنا الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والسماح بنشر الرسوم الكاريكاتورية التي تصوره - عليه الصلاة والسلام - بشكل ساخر ومقزز، قد غطى بشكل صارخ مراسم التوقيع على التطبيع السوداني الإسرائيلي الأخير، وإعلانه رسميا لتصبح السودان الدولة العربية الثالثة حديثا المطبعة مع الكيان الإسرائيلي بعد الإمارات والبحرين خلال شهرين فقط. لكن الفرق أنه في الوقت الذي استكانت فيه أبوظبي والمنامة لهذا التطبيع الآثم وغير المبرر، على الأقل في هذه الفترة التي ينشد فيها الفلسطينيون حقوقهم وحدود دولتهم، ولم يحركا أي ساكن فإن شعب السودان خرج عن بكرة ابيه ينتقد حكومة برهان الانتقالية، والتي تتولى حكم البلاد بعد الإطاحة بالبشير في 11 أبريل 2019، والإقدام على هذه الخطوة، التي لا تعبر عن مواقف السودانيين العربية، والتي تؤمن بحق الفلسطينيين في دولة وعاصمة مستقلة، وأن إسرائيل ما هي إلا كيان دخيل مغتصب مزروع في قلب الأمة العربية، وحتى الآن تستعد اللجان الوطنية السودانية لتنظيم مظاهرات وبيانات اعتراض على هذا التطبيع، الذي لربما أقدم عليه عبدالفتاح برهان للإسراع برفع اسم بلاده من قائمة الإرهاب الأمريكية السوداء، ولكن كان عليه أن يعرف أن ثمن هذه الخطوة الأمريكية كان غاليا وفادحا أيضا. فالتطبيع في فترة يعاني منها الفلسطينيون، بعد إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل بصورة رسمية، والتوقيع على هذا الاعتراف، سيعد خيانة عظمى في نظر الشعوب العربية التي باتت ترى كل دولة عربية مطبعة في هذا الإطار، والسودان نفسه راقب ردود الفعل العربية من خليج الوطن العربي حتى محيطه، كيف رأت هذه الشعوب وما زالت أبوظبي والمنامة والتطبيل الذي رافق هذا التطبيع من إعلامهما الرسمي، وكيف توالت توابع التطبيع في التوقيع على اتفاقيات اقتصادية وعسكرية واستخباراتية ورياضية، وحتى في مجال السياحة وإلغاء التأشيرات بين مواطني هذه الدول، وكلها أمور لا تبدو الإمارات قد ألقت بالا لها؛ لإيمانها بما تروج له من أكاذيب لا صحة لها، في أن تطبيعها مع إسرائيل لم يكن ليتحقق لولا رغبة أبوظبي في الدفع بعملية السلام، وإيقاف المستوطنات الإسرائيلية في الضفة، وهذا ما نفاه نتنياهو صراحة، بل وسخر من هذا الأمر جملة وتفصيلا. ورغم أن السودان قد نجح فعليا في رفع اسمه من قائمة الإرهاب الأمريكية إلا أنه قد وضع نفسه تحت مقصلة ترامب، الذي وضع للخرطوم شروطا تكاد تكون تعجيزية للمضي في الاتفاق نحو إزالة اسم السودان من القائمة، حيث اشترط أن تمنع حكومة برهان من تسلل الشركات الصينية للاستثمار على أرضها، بينما عليها أن تمنح نظيرتها من الشركات والاستثمارات الأمريكية للتوسع في الخرطوم والمدن الساحلية بالإضافة إلى تخفيف العبء عن إسرائيل في توطين ملايين اللاجئين الفلسطينيين في كافة المدن السودانية، لقاء مساعدة واشنطن في أضيق الحدود. ولذا لم تأت المنحة الأمريكية بشطب اسم السودان من قائمتها السوداء بمثابة قطعة بسكويت مجانية تأتي مع الوجبة الأساسية المدفوعة الثمن، ولكن برهان يعلم بأنه سيدفع كثيرا لقاء هذا، وسيدفع أكثر لأجل إسكات الأصوات الغاضبة داخل بلاده، التي لم تصمت منذ أن فوجئ السودانيون بأن الحكومة الانتقالية التي وعدت بإقامة انتخابات حرة بعد سنتين من الانقلاب على البشير قد تمادت في صلاحياتها التي فوضها الشعب ضمن إطارها، رغم أن هذه الخطوة قد تُمكن الخرطوم صراحة من كسر القيود حول طلب القروض الدولية، ومساعدتها على تجاوز أزماتها الاقتصادية الغارقة فيها منذ عقود، إلا أن محاولات الترقيع والوعود الذهبية التي تحاول اضفاءها على هذا التطبيع لا يبدو أنه ينجح مع اللجان الشعبية والوطنية التي لا تزال ترى التطبيع مع إسرائيل خيانة لموقفها العربي الثابت من القضية الفلسطينية، وهي قضية العرب الأولى. ولعل الأيام القادمة ستتمخض عن كثير من الأمور التي لربما تزيد من زعزعة التراب السوداني، لكنها بالتأكيد سترفع من أسهم حكومة عبدالفتاح برهان لدى البيت الأبيض، خصوصا أن شروط واشنطن كانت مجابة قولا وفعلا!. [email protected] @ebtesam777